لماذا أنا فتح ؟!
المرحلية التي أرادتها فتح، ليست المرحلية التي يدعيها البعض؛ فهناك اختلاف حقيقي وموضوعي بينهما لأن المقولة التي قالت: "الطريق إلى تل أبيب يمر عبر جونيه" في مرحلة من مراحل نضالنا التاريخي والعظيم، كانت ردا على من أرادوا للتناقض الثانوي أن يهدد الكفاح الوطني في المنفى ويدخله طريقا لا مخرج له، وكذلك الذين أدخلوا النضال الفلسطيني في طريق لا تسوية فيه.
لكن الحقيقة التي يجب أن يفهمها الجميع؛ أن فلسطين قضية عادلة، فيها من عوامل المناعة الذاتية ما يكفي لمواجهة التحديات والمآزق حتى في حالات الضعف، فتعود وتولد من جديد وحسب الحاجة والصراع والمتغير، لذا اشتهر كل من اقترب من عدالة القضية الفلسطينية وبرز من خلالها في الراي العام و المجتمع.
إن أي قضية ترفع الشأن أو تشهره وليس العكس، فالاجتهادات السياسية وغيرها تقاس بنجاحها وصلاحيتها ومدى واقعيتها، عدى عن قربها أو بعدها عنها في القياس الأول والأخير، ومهما كانت المعتقدات والأيديولوجيات ومن ينادي لها، فقضية فلسطين محور المحاور والمعتقدات، ومركز المراحل، ودون ذلك عبث وتلاعب ولهو من نوع ذاتي وصولي.
بالتالي نقول أن المرحلية لم تطرح لكي يتم شطب شعار ومفهوم تحرير فلسطين، ولم يكن يعني أن المرحلية هي تحرير الجزء المحتل عام 1967 من أرض فلسطين وفقط، إنما هي ذكر شامل لمنهج نضالي سياسي في التعامل مع تطورات الصراع، لكن الذين أرادوا التسوية على ذلك الأساس هم الذين فسروه بتلك الطريقة خدمة للهدف والمطلب!.
صحيح أن ميزان القوى المحلي والعالمي ليس لصالح الحركة الفلسطينية بكامل قواها؛ لكن تغيير الميزان كان يمكن أن يحصل بالتراكم النضالي والتغيير الإقليمي والعالمي كما حصل الفعل السياسي نتيجة للنضال المسلح. ثم إن الحديث عن ميزان القوى لم يكن مفقودا؛ إنما كان موجودا قبل وبعد انطلاق الثورة، لذا لا مصداقية لمن ادعوا أن المرحلية هي مرحلية الأهداف المتغيرة.
لكن السؤال الجاد والحقيقي الذي كان مطروحا على النظام السياسي العربي الرسمي وقوى التحرر الوطني والقومي – آنذاك ولم يزل - هل كان بالإمكان إسقاط اسرائيل في البحر وإزالة وجودها من المنطقة؟!
كل الذين أجابوا على هذا السؤال -الذي مازال في ذهنية بعض التيارات ودعاة الأيدولوجيات المختلفة- كانت إجاباتهم مقتصرة على العاطفية والانفعالية اللفظية والتعبئة المعنوية، دون أن تضم الإجابات أفكارا واقعية تدفع الحراك التحرري صوب طريق تحقيق المنجزات المتتالية، ومهما كانت خطورة الإجابات التي جاءت من القوى التي تحدثت عن ضرورة الاعتراف بوجود الكيان المعادي والقبول به، وتقاسم الحل معه بما يكفل عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وإنهاء الصراع بالطرق السلمية، حتى من بعض القوى المؤيدة لنضال الشعب الفلسطيني والمعترفة بمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد. فالكيان قائم، وواقعية الحل كانت حقيقة تواجه العمل الفلسطيني في أي مكان وأي زمان. وهنا نقول أن المرحلية السياسية استراتيجية في العمل الفلسطيني، وهي أم الإجابات على ذلك السؤال الذي يفرض علينا الخروج من الأحلام والأوهام و الركون إلى الانتظار إلى ما لا يمكن تحقيقه دفعة واحدة؛ بل بمرحلية استراتيجية.
إن الحل المرحلي كان وراء إخراج الساحة الفلسطينية من الخيال إلى الواقع، ومن المستحيل إلى الممكن - وما نعيش اليوم يجيب على ما اجتهد بنفي نجاعته البعض.
وفن إدارة السياسة والصراع والأزمات؛ حقق الكثير على مستويات متعددة منها ما أوصلت منظمة التحرير إلى الحالة الأممية كهوية معنوية وسياسية للشعب الفلسطيني، وذلك رغما عن الذين أساؤوا لها.
كذلك أعادت حركة فتح قضية فلسطين إلى وضعها الطبيعي سياسيا ونضاليا ودوليا، وانتزعت لها الحصانة والمكانة والمناعة، ثم اعتراف العدو بها.
ومازال العمل طريقه طويلا للوصول إلى الحرية والاستقلال، في ظل وضعية العدو المتقدمة، والذي يمتلك الكثير من القدرات والكفاءات التي وظفها في احتواء القضية، وجعلها قضية مطلبية لا حقوقا سياسية ووطنية، ومازال يرفض كل القرارات والمواقف الدولية والدعوات والحلول السياسية وفي مقدمتها حل الدولتين -الذي جاءت به استراتيجية المرحلية الفلسطينية، وأصبحت كل المعطيات وأمور الصراع ومحيطه في حالة تعقيد ومأزق-، لا أحد يمكنه الخروج منها، باستغلال العدو لقوته المتفوقة عسكريا ولوجستيا، وسياسة الأمر الواقع المتبعة من قبله عبر سياسة الاستيطان والتهويد، ومازال مسيطرا بإحكام على جميع مناحي الواقع، بهدف احتواء قضية فلسطين وأدواتها وما يخصها من قرارات دولية وحلول ومبادرات مستغلا -دائما- الضعف العربي الذي كان ولا يزال عبئا على كاهل الثورة ومعيقا لتقدمها في ظل الحاجة للعمق العربي الفاعل.
==================================================================================
الرد المقاوم الموحد أنجع وأكثر إيلاما / مصطفى الصواف
اعتقد الاحتلال الإسرائيلي عندما أقدم على جريمته باغتيال زهير القيسي أمين عام لجان المقاومة الشعبية يوم الجمعة الماضية أن الأمر سيكون عملية اغتيال عابرة ستمر كما مرت غيرها من عمليات الاغتيال مع بعض الردود الضعيفة من هنا وهناك، وان حركة حماس والحكومة ستتدخل لوقف رد المقاومة على عملية الاغتيال حفاظا على الهدوء الهش، وان المسألة ستنتهي في ساعة أو ساعتين.
ولكن يبدو أن العدو تفاجأ هذه المرة كسابقتها من حجم الردود من قبل المقاومة الفلسطينية، الأمر الذي أربك الساحة الداخلية للعدو الإسرائيلي حتى بات ما يزيد عن المليون من المستوطنين يعيشون في الملاجئ وإخفاق القبة الحديدية في التصدي للصواريخ التي أطلقتها المقاومة بشكل كبير والحديث يدور عن التصدي للثلث فقط مما أُطلق على المستوطنات المحاذية لقطاع غزة.
المقاومة الفلسطينية بكل أطيافها السياسية عملت على الرد على العدوان الصهيوني الذي أدى إلى سقوط العشرات بين شهيد وجريح، وكانت ردود المقاومة بشكل منفرد وكل على حدا، وهذا في حده أمر مطلوب؛ ولكن علينا أن نعمل على تغيير طريقة الرد المنفردة ؛ لأن ذلك لن يؤلم العدو كثيرا، ونعتقد أن المرحلة بحاجة إلى استراتيجيات جديدة وتكتيكات تتناسب وطبيعة العدوان الصهيوني المتصاعد على قطاع غزة.
المقاومة الفلسطينية مدعوة اليوم وبشكل سريع للعمل على الخروج من العشوائية والفردية في الرد إلى أسلوب جديد يعتمد على توحيد الجهود وتبادل الأدوار وتوزيع المهام واستخدامات تكتيكات جديدة يمكن لها أن تفشل مخططات العدو الذي يسعى إلى الاستفراد بقوى المقاومة كل على حدا، فاليوم لجان المقاومة وغدا السرايا وبعد غد القسام وهكذا في محاولة لاستنزاف قوى المقاومة في ردودها دون أن يكون هناك عملا مشتركا بين كل القوى في الرد والمواجهة.
الأسلوب القديم في الرد لم يعد يفيد كثيرا، بمعنى انه لن يؤلم كثيرا العدو، لأن ارتقاء الشهداء يجب أن يقابله سقوط قتلة في صفوف العدو، وان الدم الذي ينزف من شعبنا ومجاهديه يجب أن يقابله دم يسقط من العدو عندها سيعيد التفكير في إرهابه وإجرامه.
لذلك على قوى المقاومة أن تجد الطريقة المناسبة للالتقاء والاتفاق للعمل على التوافق على كيفية الرد الجماعي أو المنفرد ، وان تحدد طبيعة الرد زمانا ومكانا وبأي الأسلحة التي لدى المقاومة، والتي لا تقارن بما لدى العدو؛ ولكنها ستحقق توازن الرعب أو توازن الردع لوجود فرق شاسع بين الجبهة الداخلية الفلسطينية وجبهة العدو الداخلية، وهي في صالح الجانب الفلسطيني، فالعدو يصاب بالذعر والهلع واللجوء إلى الملاجئ فور سمع صفارات الإنذار، وفي الجانب الفلسطيني تجد المواطن يهرع إلى مكان القصف فور سقوط الصاروخ محاولا لتقديم المساعدة سواء للمقاومة أو للمواطنين، وهذا يعطي عنصر قوة للجبهة الداخلية الفلسطينية يجعلها أكثر تحصينا ومناعة من جبهة العدو.
صحيح أن المقاومة في ردها في أعقاب عمليات الاغتيال لم تستخدم بعد كل إمكانياتها وهذا واحد من أهداف العدو في استدراج المقاومة والوقوف على ما لديها من أدوات قتالية لأن ما لديه من معلومات استخبارية حول ما تمتلكه المقاومة يبقى معلومات بحاجة إلى تأكيد، هذا التأكيد الذي يسعى إليه العدو هو من اجل العمل على كيفية التصدي للمقاومة وإفشال فعالية ما لديها من أدوات متطورة تمكنت من تصنيعها أو إدخالها إلى قطاع غزة.
المقاومة مدعوة اليوم في هذه المرحلة الاستنزافية إلى التريث وعدم الاستعجال في الكشف عن ما لديها من أدوات متطورة ومتنوعة لأن المرحلة ليست على ما يبدو مرحلة مواجهة شاملة لذلك من الضروري عن الكشف عن كل الأوراق التي لدى المقاومة وان تبقى في طي الكتمان حتى تشكل مفاجأة للعدو عند المواجهة الشاملة تفقده التوازن ولا تمكنه من التصدي لهذه الوسائل القتالية بكل محدوديتها.
عضو المجلس الثوري لحركة فتح