الحرب على إيران.. لا حتمية ولا ضرورية!!

habib

مَن يتلقى تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير حربه إيهود باراك، يعتقد أن الحرب على إيران قاب قوسين أو أدنى، وأن ما يؤخر هذه الحرب ضغوط أميركية للتريث حتى يمكن تلافي مثل هذه الحرب ونتائجها المدمرة من خلال سلم العقوبات السياسية والمالية والاقتصادية، وعلى أمل أن تؤثر هذه العقوبات داخلياً، بما يجعل مسألة التغيير عموماً، والتخلي عن البرنامج النووي الإيراني على وجه الخصوص، نتيجة طبيعية لمثل هذه المتغيرات المحتملة والمأمولة.

المداولات التي تمت، مؤخراً، بين القيادتين في الولايات المتحدة وإسرائيل على هامش مؤتمر اللوبي الصهيوني، وكذلك خطاباتهما أمام المؤتمر، توحي وكأن ما يمنع إسرائيل من شن هذه الحرب الضروس على إيران، إنما هو تعطيل أميركي وأولويات أميركية توحي أن واشنطن مستعدة للقيام بهذه الحرب، نيابة عن إسرائيل، فيما لو فشلت الضغوط والعقوبات الاقتصادية، وأن إسرائيل ليس بمقدورها حتى من خلال ضربة قوية للمفاعلات النووية الإيرانية، أن تضع حداً في المستقبل غير البعيد لمواصلة إيران هذا البرنامج، وأن واشنطن هي وحدها التي تملك من الأدوات ما تستطيع من خلالها إنهاء هذا البرنامج بشكل نهائي ومبرم.

وقد وقع الخطاب الإسرائيلي، سواء أمام مؤتمر اللوبي الصهيوني أو في مناسبات مختلفة، تحت تناقض غريب، فقد أشاعت إسرائيل أن القوة النووية العسكرية الإيرانية ليست تهديداً لإسرائيل فحسب، بل تهديد لكل الديمقراطيات الغربية، خاصة الولايات المتحدة وأوروبا، ناهيك عن دول الخليج العربي، فإذا كان هذا الادعاء صحيحاً، فلماذا تتمسك إسرائيل بمقولات الحرب وتقود الحملة العسكرية، ولو من خلال التسخين عبر السياسات والبيانات، مثل هذه الحرب، فالأولى، طالما أن التهديد واسع النطاق، ألا تنفرد إسرائيل وحدها بصيحات الحرب التي لا نسمعها إلاّ من خلال بعض قياداتها الأولى.

إسرائيل، بهذا المعنى، لا تقود فقط المجتمعات الغربية نحو الحرب، بل هي وصيّة على هذه الدول وشعوبها، بل ربما هي التي تسعى لحماية النظام الديمقراطي والشعوب المنضوية تحت سقفه، وهي إذ تدعي توسيع رقعة الخطر النووي الإيراني، إنما تضع نفسها وكأنها تقف وحيدة كدولة ديمقراطية في الدفاع عن المنظومة الديمقراطية على المستوى الدولي، وهي على هذا الأساس إنما تضع قيادات هذه المنظومة في أميركا وأوروبا تحديداً، في موقع الخيانة للديمقراطية، كونها تفتقر إلى القدرة على مواجهة الخطر الإيراني، وبالعكس مما تفعله الدولة العبرية حامية حمى الديمقراطية على المستوى العالمي، وتتحمل وحدها مسؤولية الدفاع عنها في ظل عدم اكتراث، وربما خيانة الأنظمة الديمقراطية الأخرى.

إلاّ أن قراءة أخرى لمثل هذه الخطابات الحربية، تجد على الهامش منها رؤية إسرائيلية مختلفة، لا تنتصر لنتنياهو وباراك، فها هو رئيس الموساد الإسرائيلي السابق مائير داغان، يشير في مقابلة صحافية إلى أن الخيار البديل عن الحرب على إيران، هو التدخل لإجراء تغيير في نظام الحكم في إيران، وهو بالتالي يلتقي مع الرؤية الغربية المعلنة، والتي ترى في العقوبات السلاح الذي من شأنه الإخلال بميزان القوى الداخلي في إيران لصالح قوى التغيير، الأمر الذي من شأنه أن يعفي الديمقراطيات الغربية من القيام بحرب جديدة، لن تكون سوى حروب خيبات الأمل والتورط، كما جرى في العراق وأفغانستان، إلا أن داغان، يشير في موقع آخر، إلى أنه إذا كان لا بد من هذه الحرب، فالأولى أن تقوم بها الولايات المتحدة وليس إسرائيل، خاصة أن وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا كان قد قال إن الولايات المتحدة أقدر على ضرب المنشآت النووية الإيرانية وأكثر أثراً وفاعليةً مما لو قامت إسرائيل بمثل هذه الضربات، وكان بانيتا يرد أيضاً على إشاعات سربتها مصادر نتنياهو بأن واشنطن من خلال الرئيس أوباما، قد قررت تزويد إسرائيل بقنابل متطورة قادرة على اختراق التحصينات الأرضية وطائرات لتزويد المقاتلات الإسرائيلية بالوقود في الجو مقابل ضمانات إسرائيلية بعدم شن هجمة عسكرية على إيران، ونفي بانيتا هذه الإشاعات، أشاع أجواء من السخرية لتكرار كذبات نتنياهو.

كذلك، فإن استطلاعات الرأي في إسرائيل تشير إلى أن المجتمع الإسرائيلي في أغلبه لا يوافق على ضربة إسرائيلية لإيران من دون موافقة أو اشتراك أو تغطية واضحة من قبل الولايات المتحدة، لا تعود هذه الأغلبية إلى جنوح مستغرب ومستهجن نحو السلام، بل لأن وسائل الإعلام المرتكزة إلى تقارير أمنية تشير إلى أن إسرائيل، ورغم كل المناورات العسكرية والتسلح المتزايد، عاجزة عن أن تقوم منظوماتها الدفاعية بصد موجات الصواريخ في حال نشوب حرب، ويعود ذلك إلى تقليص ميزانية وزارة الحرب الإسرائيلية نظراً للأزمة الاقتصادية، ذلك أن هذا التقليص، وفقاً لصحيفة "يسرائيل ديفنس" لم يطل الجبهة الداخلية فحسب، بل مس بشكل مباشر أيضاً المنظومة الدفاعية ضد الصواريخ، وتشير المجلة، بسخرية لاذعة، إلا أن شركة رفائيل الصناعية المتخصصة بالأسلحة وتقنياتها الحديثة، عندما ناقشت مسألة تجميد ميزانية وزارة الدفاع مع "عيدو نحوشتان" قائد سلاح الجو الإسرائيلي، لخص ردّه في عبارة واحدة: ليس لدينا المال حتى للطيران.. ماذا تريدون مني".

إلا أن الأهم من ذلك، أن المستويات الأمنية الاستخبارية، الأميركية والأوروبية، تعتقد أن إيران لم تملك بعد أسلحة نووية، وأن الهيجان الإسرائيلي لا مبرر له، وأن العقوبات الاقتصادية والمالية والسياسية كافية لكبح جماح البرنامج النووي العسكري الإيراني، وبالتالي، فإن اللهجة العسكرية الإسرائيلية مجرد استفزاز من قبل حكومة نتنياهو للولايات المتحدة وأوروبا، وأن الانجرار لمثل هذا الابتزاز سيكلف هذه الدول الكثير، في حين ربما يحسن من وضع حزب الليكود بقيادة نتنياهو، فهل تستجيب هذه الدول، لابتزاز الفاشية الإسرائيلية؟!