نعم، دفاعاً عن موظفي الحكومة

salah_hanih

كل ما دقّ الكوز في الجرة... وكلما وقع نقاش بين القطاع الخاص والحكومة... وكلما وقع نقاش بين المؤسسات غير الحكومية والحكومة... تنتصر الأطراف غير الحكومية إلى وجهة نظرها وتظلمها، بشنّ هجوم غير عادل على الموظفين العموميين بأشكال مختلفة عنوانه الرئيس أنهم لا يعملون، وتفاصيله أنهم يقضون وقتهم بلعب الشدة على الحاسوب أو يتسلون ويطقون الحنك ويشربون القهوة... .

وحتى نكون منصفين وموضوعيين، ولكي لا يغمز الغامزون ضد الحكومة نتيجة قرار صاغته أو إجراء رأت فيه مصلحةً اقتصاديةً وماليةً عامةً، بحيث ينقضون على موظفي الوظيفة العمومية وكأنهم جاؤوا من كوكب آخر أو زرع شيطاني. لابد من طرح السؤال المركزي الآتي بقوة: المعلم، والممرض، والطبيب، وموظف الجوازات والأحوال المدنية، وموظف حماية المستهلك، والمهندس المشرف على الأبنية المدرسية والطرق والأبنية العامة، ووحدات صيانة الطرق، وموظف الدفاع المدني، والشرطي، والقضاة، والنيابة العامة... أليس كل هؤلاء موظفين حكوميين؟؟.

الأهم من هذا وذاك هو حجم البرامج والمشاريع التي تطرح في القطاع الحكومي والتي تتطلب عملياً موظفين وكادراً وظيفياً يتابعها وينجزها، ولعل أحد من الغامزين من قناة الوظيفة الحكومية يعلم أن ما ينفذ من مشاريع لا يتم دون جهد وعطاء ومتابعة من الموظفين الحكوميين، هل تم مشروع مقاطعة منتجات المستوطنات من أشباح أم من موظفين حكوميين تابعوه ونفذوه على الأرض؟ نعم، تمت الاستعانة بالمتطوعين وبجمعيات حماية المستهلك الفلسطيني والراصد الاقتصادي وغيرها لكن الأساس هم الموظفون الحكوميون.

ألم يقم موظفو القطاع العام بدور واضح في إعداد رؤية الحكومة (فلسطين... إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة) ومرحلتها الثانية (موعد مع الحرية)؟.

لماذا يتنكر المتنكرون إلى دور موظفي الوظيفة العمومية الذين ما انفكوا يقومون بحصر أضرار القطاع الزراعي إثر الأمطار والعواصف، ويتنكرون للدفاع المدني والإسعاف والطوارئ في الهلال الأحمر الفلسطيني الذي تابع الأضرار ميدانياً في الأحوال الجوية التي مر بها الوطن في الأسبوعين الماضيين.

لن أصوغ لائحة دعوى جوابية على ادعاء المدعين، ولن أنفي مطلقاً أن ترهلاً إدارياً يقع في العمل الحكومي، ولن أنفي أن زيادة في عدد الموظفين في الوظيفة العمومية، وهذا له أسبابه التي كانت مبررة لدى جميع الجهات المسؤولة والأحزاب والقوى السياسية وغيرها... أتفق أن تطويراً للأداء يجب أن يقع بصورة تتواءم مع الاحتياجات... عملية ضبط الدوام وتحقيق الوصف الوظيفي وتحديد المسؤولية الإدارية لكل وظيفة في المستوى الأعلى والمستوى الأدنى.

لن أصوغ لائحة جوابية دفاعية بخصوص الوظيفة الحكومية... حينما ينقض عليها من ينقض دفاعاً عن موقفها في النقاش مع الحكومة بحجة الترقيات وإنشاء دوائر جديدة فقط لضمان مواقع متقدمة لموظف أو موظفة هنا وهناك، وهذا لا يعني نقيصة، فهناك عشرات الشركات والجمعيات التي تؤسس من أجل إيجاد وظيفة لأشخاص أو مجموعة تأثير أو المريدين هنا وهناك أم أن هذا خارج الشفافية والمساءلة.

ويستمر الأخذ والرد تارة لبحث الوضع الاقتصادي وتارة لبحث الوضع الاجتماعي وتارة لبحث الوضع القانوني واستقلالية القضاء... وفي جميع هذه النقاشات يكون المحور هو الأداء الحكومي، والفرع هو دور الوظيفة العمومية... وكأنني كمواطن عندما أذهب صوب شركات الخدمات الرئيسة التي يجب أن أذهب صوبها كل مطلع شهر لأسدد الفاتورة دون انتظار عدم وصولها، فهل أجد كمواطن البساط الأحمر وأجد ابتسامة عريضة وترحيباً منقطع النظير وسماحاً من غرامة التأخير والإضافات على الفاتورة.

ولا بد هنا أن أشير إلى ممثل منظمة العمل الدولية في فلسطين الذي تفضل بتقديم مداخلة أمام اتهام للوظيفة العمومية، من أن رئيس الوزراء الدكتور سلام فياض كلف وزارة العمل تشكيل لجنة متخصصة للضمان الاجتماعي بإشراف رئيس الوزراء شخصياً، وتشكيل فريق وطني لوضع تصور للحد الأدنى للأجور، وقرار رئيس الوزراء تفعيل الحوار الوطني الاجتماعي وألا يكون مقتصراً على الشركاء الاعتياديين لمنظمة العمل الدولية بل يجب أن يضم أيضاً المنظمات الأهلية.

من المفيد الإشارة هنا إلى أن الجهد المبذول من موظفي الوظيفة العمومية الحكومية هو الذي شكل ضمانة لحكومة الرئيس محمود عباس برئاسة الدكتور سلام فياض في العام 2007، بحيث لم تقع أزمات كبيرة تسبب إرباكاً في المجتمع كما وقع في قضية الطحين الفاسد في العام 1998، وقضية الإسمنت التي دار حولها ما دار كذلك، فقد أقرت الحكومة وبسرعة كبيرة نظام التعرفة للكهرباء بصورة تراعي إمكانيات المستهلك وكذلك نظام الربط والخدمة الكهربائية الذي أعد من موظفين حكوميين ومنح سعراً تفضيلياً لمحافظة أريحا والأغوار كمنطقة لها خصوصية، ولم يجر التزام في بعض مناطق الامتياز من القطاع الخاص وليس من موظفي الوظيفة العمومية مثلاً. وعندما واجهت هذه الحكومة قضية ليست كبيرة مثل استخدام الشيفارو في الخبز تعاملت بحكمة مع الموضوع من حيث الإجراء بتحويل المخابز إلى النائب العام، وإخطار المخابز، واعتبار استخدام المادة جريمة أمن غذائي تحت طائلة المسؤولية، وعندما تم المس بجمعية حماية المستهلك الفلسطيني لموقفها في هذا الملف كجزء من الحل وليس كجزء من المشكلة، سارع رئيس الوزراء إلى الاجتماع مع ممثلي الجمعية والتأكيد لهم على أهمية دورهم بشكل عام وخصوصاً في موضوع استخدام الشيفارو في الخبز.

أتمنى على رموز القطاع الخاص ومجلسه التنسيقي ومن ممثلي المؤسسات غير الحكومية وشبكتهم ألا ينقضوا على الوظيفة الحكومية للانتصار لرؤيتهم ضد الحكومة لأنهم لا يلهون ولا يلعبون ولا يضيعون الوقت سدى، وحتماً لكل قاعدة استثناء لكن الاستثناء ليس قاعدةً.

وفي السياق نفسه، من حق خطيب الجمعة أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وعلى المصلي أن يخضع لأمر الله، لكن عذراً سيدي الخطيب، فاعتبار الفعاليات التي خاضتها المرأة الفلسطينية بالتضامن مع الأسيرة المضربة عن الطعام هناء شلبي، والتوجه إلى حاجز قلنديا، والتظاهر في القدس، والتضامن مع أبو هيكل في الخليل التي تتعرض للمضايقة من المستوطنين ليس تقليداً للغرب ودخولاً في جحر ضب فهذا فيه من المبالغة ما فيه، طالما أن الأمر لا يتضمن إشاعة الفاحشة.

خارج النص:

قرأت في الترجمات من الصحافة الإسرائيلية ما يلي وأقتبسه دون تعليق والباقي عندكم: 'بشرى استهلاكية أخرى، الدولة ستنفذ استطلاع أسعار لسلة منتجات متغيرة على أساس أسبوعي، نتائجه ستكون في متناول اليد على الإنترنت وأجهزة الهاتف الذكية، بحيث يتمكن المستهلك من أن يعرف أين تباع السلعة الأقل سعراً'.

'تقترح التوصيات حظر اشتراط شراء منتج بسعر منخفض بشراء سلة منتجات، وتريد اللجنة منع وضع يغري المستهلك من خلال تخفيض سعر منتج معين على شراء أكثر مما يحتاج مثل دجاجة بشيكل عند الشراء بأكثر من 150 شيكلاً، لهذا السبب فكرت اللجنة أيضاً بحظر حملات 1+1، ولكن في النهاية أوصي بإلغائها كما أن حظر الاشتراط سيواصل خضوعه لفحص شركة الاستشارات التي اختارتها اللجنة'.