ايران تمد يدها ونتنياهو يرد بفظاظة

بقلم: تسفي برئيل
 
‘إن الدولة الوحيدة من جارات سورية التي لم تُدخل جيشها في استعداد للحرب هي ايران. ففي الوقت الذي تُبرز فيه جيوش تركيا والاردن والعراق واسرائيل، بالطبع، عضلاتها وتدفع قدما بقوات وفرق حرب كيميائية الى الحدود مع سورية، تبدو ايران وكأن الهجوم على سورية لا صلة له بها عسكريا.
إن ايران في الحقيقة ليست دولة مهدَّدة في هذه المرحلة على الأقل، لكنها ايضا ليست على يقين من أن بشار الاسد يستطيع أن يحمي مصالحها القومية ويحافظ على مكانتها في المنطقة. فعلى سبيل المثال تكثر التقارير المعلنة التي تقول ‘نؤمن بأن أخطاءً بالغة تمت على أيدي القادة السوريين، انشأت قاعدة لاستعمال القوة ضد سورية استعمالا سيئا’، كما قال وزير الخارجية الجديد جواد ظريف في مقابلة صحافية مع صحيفة ‘أسمان’.
وورد في تقرير آخر أن رئيس لجنة الامن القومي والعلاقات الخارجية، علاء الدين بروجوردي، بيّن للاسد أن ‘ايران لم تُتم صفقة مع الغرب لاسقاط الاسد، لكنها لن تشارك ايضا في معركة عسكرية للدفاع عنه’.
ويعرض استاذ الجامعة والكاتب الصحافي الايراني صادق زيبكلام الذي يكتب في الصحيفة الاصلاحية ‘اعتماد’، يعرض المعضلة مع سورية من وجهة نظر أصيلة لم تُسمع حتى الآن. فقد كتب أنه اذا هاجم الغرب سورية فان ‘العلاقات بين حليفاتها وبين الغرب ستكون جد باردة ومظلمة حتى إنه لن يستطيع الرئيس روحاني البتة خفض التوتر وتحسين العلاقات بالغرب… وفي هذه الظروف سيجد روحاني نفسه يجلس بالقرب من ضباط الجيش وقد يجد نفسه ـ فضلا عن أن المصالحة (مع الغرب) ستزول من قائمة خياراته ـ معزولا عن عمله’.
وكتب محمد علي سبحاني في صحيفة ‘بهار’، إن حكومة ايران عليها مسؤولية أن تهتم قبل كل شيء بالأمة الايرانية وبتحقيق الوعود والالتزامات التي أعطتها لمواطنيها، ولهذا لا يجوز لها أن تنحرف عن سياستها المعتدلة، ولا يجوز لها أن تدع الأحداث في سورية تؤثر في شؤون الدولة. وحينما يعلن وزير الدفاع الايراني الجنرال حسين دهكان أنه لا توجد حاجة البتة الى ارسال سلاح الى النظام السوري، لأن سورية تستطيع الدفاع عن نفسها، يُرى أنه يمكن بحسب هذه التصريحات المعلنة على الأقل أن نستنتج أنه قد بدأ ينشأ خطاب جديد وهو أن سورية أصبحت عبئا الآن، بدل الخطاب السابق الذي كان يقول إن الهجوم على سورية هو هجوم على ايران’.
كان لانتخاب حسن روحاني رئيسا هدف مركزي ومتفق عليه وهو اسقاط العقوبات عن ايران، كي تستطيع أن تعاود نشاطا اقتصاديا كاملا من دون التخلي عن ‘مصالحها’؛ والقصد بالمصالح القدرة على الاستمرار في تطوير تقنياتها الذرية. إن هذين أساسان متناقضان في ظاهر الامر، لكن روحاني يطمح الى أن يُسوي هذا التناقض بواسطة دبلوماسية جديدة هي انشاء نوع جديد من الحوار مع الغرب يعتمد على معجم جديد يُسكن النفوس كالاعتراف بالمحرقة وتهنئة اليهود بالسنة الجديدة وتجديد نشاط سفارة بريطانيا في ايران والقاء مهمة الوساطة في الشأن الذري على وزارة الخارجية ورئيسها جواد ظريف بدل مجلس الامن القومي.
ويرى الغرب هذه التغييرات تجميلا خارجيا يوجب إثبات صدق النية. لكن للتجميل الخارجي ايضا جوانب استراتيجية، ولاسيما حينما يحظى بموافقة الزعيم الأعلى علي خامنئي.
سيحين امتحان روحاني المعلن الدولي المهم هذا الشهر، حينما سيخطب خطبته الاولى في الجمعية العمومية للامم المتحدة. وهي خطبة ينتظر العالم أن يسمع فيها كيف تنوي ايران توجيه الريح الجديدة التي تهب من قبلها. لا يتوقع أن يعلن روحاني نية ايران أن تجمد تخصيب اليورانيوم، أو أن توقف تطوير التقنية الذرية، لكنه اذا عرض ‘شفافية كاملة’ تشمل موافقة على زيارة المنشأة في برتسين ومنشآت اخرى، رفضت ايران الى الآن السماح للمراقبين بدخولها، فسيكون في ذلك أكثر من تعريض لتغيير استراتيجي في سياستها.
لا يمكن أن نستدل الى الآن من تصريحات روحاني ومسؤوليه الكبار على خطط عملية لتجميد تخصيب اليورانيوم أو مضاءلته، فضلا عن مجال التنازلات التي يكون خامنئي مستعدا لأن يبذلها له. ومع ذلك فان عدم وجود التصريحات العدوانية التي ميزت محمود احمدي نجاد، الى الآن والتي كانت تقول إن ‘ايران لن تتخلى أبدا عن حقها في تخصيب اليورانيوم’، والمباحثات التي يُجريها وزير الخارجية ظريف مع وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي في تحديد موعد قريب لمباحثات مجموعة الخمس + واحدة مع ايران ـ قد تشهد على أكثر من ‘تجميل خارجي ديبلوماسي’.
وينتظر هذا التغيير ردا غربيا، ولهذا يمكن أن نأسف لأن رئيس الوزراء أو رئيس الدولة لم يستصوبا الرد على رئيس ايران بتهنئته برأس السنة، واختار نتنياهو بدل ذلك التمسك بلغة التهديد والاستخفاف بمبادرة روحاني الطيبة. 
إن الخوف الاسرائيلي من فقدان سبب الهجوم على ايران والخشية من أن تسقط الولايات المتحدة في الشرك الذي تدفنه لغة الرئيس الايراني الحلوة يجعلها تصاب بالجنون. لا اختلاف في أن ايران ستُمتحن بحسب أعمالها لا بحسب تصريحاتها، لكنه ليس من الفضول، بل هو مُجدٍ في وضع العداوة القائم بين الدولتين الحفاظ على قدر من التهذيب.
حرره: 
م . ع