عندما تصبح الصورة سلعة . .

hatem_abu_za

عندما تتجرد الوسيلة الاعلامية من ابسط معاني الانسانية، والحد الادنى من الاخلاقية المهنية والتي تقع في اطار الاولويات لا بل المحرمات التي يجب على الوسيلة الاعلامية الالتزام والتقيد بها وعدم تجاوزها في عرض صور الشهداء خاصة في الفترة الاخيرة، بهذا المشهد المأساوي البشع، والذي يضع عائلاتهم اولا والمشاهدين ثانيا في موقف التساؤل بين الشكل الابهى للحياة و الشكل المأساوي للموت.

وعندما تنطلق الوسيلة الاعلامية من اطار السبق الصحفي المتهور، وغير المدروس احيانا بل غالبا ، وعندما تلجأ الوسيلة الى استغلال الابعاد الغريزية اضافة الى عناصر التشويق والجذب الخارجة عن الاطار المنطقي لاستخداماتها في صنع رسالتها الاخبارية ، عندها فقط بامكاننا القول غير القابل للنقاش لا بل الجزم بان الوسيلة الاعلامية قد نزعت عن نفسها بطريقة او باخرى رداء الاخلاقية والانسانية المهنية اللذين يشكلان احدى الاسس التي يجب ان ينطلق منها العمل

.الاعلامي الصحفي

ان هذا الاجتياح المؤذي للصورة الذي توفره الوسيلة الاعلامية على المشاهد يحيلنا الى منحى او معطى تزامن ظهوره وعرض مثل هذه الصور، والمتمثل في

الانهيار الذي لحق بالنزعة الإنسانية على يد كوكبة لا بأس بها من الوسائل الاعلامية ، الذي أفرزته الظروف التاريخية والسياسية الصعبة التي فرضت على شعبنا الفلسطيني.

ان هناك شبه اجماع من قبل العلماء المختصين في المجال الاعلامي على نهاية الوسيلة الاعلامية (انسانيا) و المشاهد (الإنسان) ثانيا، بانعكاساتها التي تظهر جليا على الشاشة التي تظهر بتأثيراتها داخل النفس الانسانية، وفقا للمنطق التجاري الذي بدأ يأخذ مساره الخاص كما ذكرت في احدى مقالاتي سابقا.

وفي هذا السياق يشير الباحث والناقد لونيس بن علي الى ان التحوّل الذي حصل في الإعلام العالمي هو أنه صار أكثر تقبلا لعرض صور الموت بأبشع أشكالها دون أن يراعي مشاعر المشاهدين، فقد كان إلى عهد قريب يضع من أولوياته كرامة الإنسان حتى لو كان جثة هامدة على الأرض ، ومن

.جهة أخرى مراعاة حساسية ومشاعر المشاهد

لذا يمكنني القول اننا نعيش على اعتاب عصر جديد، تصبح فيه الوسيلة الاعلامية مضخة تجارية غير اخلاقية يصبح فيه الإنسان مفصولا عن التجربة الحسية

ذاتها، فلا يكاد يعرف متى يحزن أو متى يضحك، ولا حتى كيف ينفعل مع صور الحروب والمذابح التي تعرض كسلع ترويجية، وربما كنوع جديد من التسلية في اطار سعي الوسيلة التجاري البحت.