أهم ما يتوجب عمله

adli_sadikkk

لم يكن أمر الاتفاق على تشكيل حكومة وفاقية انتقالية من المستقلين، في حاجة الى رؤية ثاقبة، لكي يعرف واحدنا أن مثل هذا الاتفاق لا يلائم "حماس" وبالتالي لن تتماشى معه. فقد توقعنا أن يغترف المتنفذون الحمساويون في غزة، من مخزون الذرائع، لكي يتحاشوا استحقاقات اتفاق المصالحة. وموقفهم من لجنة الانتخابات المركزية، مقراً وسجلات، يعكس تخوفاتهم من العودة الى الشعب والى صناديق الاقتراع، وهذه تخوفات أشبعناها بحثاً بموضوعية، استناداً الى ظواهر وحقائق ماثلة للعيان. لذا فإننا لن نجعلها موضوع هذه السطور!

المسألة الأكثر إلحاحاً الآن، هي أن نبادر فوراً الى إصلاح عرباتنا "لكي لا تسخر الطُرقات منا" حسب تعبير المبدع محمود درويش. ولن يكون ذلك دون تعديلات في حكومة السلطة وفي الجهاز الديبلوماسي الذي يقع عليه عبء كبير، في إيصال وشرح الرواية الوطنية حول مجريات الأمور على صعيد غطرسة حكومة الاحتلال وانقلابها على العملية السلمية، وعلى الصعيد الداخلي. فعلى صعيد جهودنا لتوحيد الكيان الفلسطيني واستئناف العملية الديموقراطية، ما زالت هناك أوساط عربية تقرأ الواقع بطريقة ساذجة ومقلوبة، إذ ترى أن الخصومة تقوم على قاعدة "المقاومة" وأن طرفاها هما "فتح" التي انتقلت الى معسكر الاحتلال و"حماس" التي تقاومه بشراسة. إن هذا المنطق السخيف يُسمع في محافل الخطابة والندوات في الجوار العربي.

لذا ينبغي أن ندفع باتجاه الاستثمار الأفضل، للمقدرات التي تبذلها منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة، على النحو الذي يخدم المصالح العليا للشعب الفلسطيني وقضيته. وفي هذا السياق، لا بد من التصدي للظواهر العقيمة والمتعفنة، التي نشأت وتجذرت في مرحلة عسيرة وملتبسة. فالحكومة التي تشكلت لتسيير الأعمال، مكثت أطول مدة، وباتت هي نفسها تئن وتشكو من بعض أعضائها، وكان كل شىء مؤجل، انتظاراً لعملية انتقال الى حال جديدة. لكن الحمساويين أمسكوا بتلابيب السلطة في غزة، ولن يخلعوا إلا بتراكم عناصر الانفجار الشعبي، وهم يراهنون على وطنية الوطنيين الذين يرفضون الاحتراب مثلما يرفضون عدوان الاحتلال، ويدفعون الأيام بمحركات الدعاية المتلطية بالإسلام وبالمقاومة، واهمين أن بمقدورهم أن يظلوا يكذبون الى الأبد وأن يظل يصدقهم العالم "الإخواني" الذي سيواجه هو نفسه، في بلدانه، اختبارات صعبة وسينكشف أمره إن لم يتحل بالرُشد الحقيقي.

خمس سنين مضت ونحن على حافة جُرف، استغل الانتهازيون خلالها وضع السلطة وهمومها الكبيرة، لكي يتحصلوا على المزايا لهم ولأصفيائهم، وهم معنيون بتعطيل أي حراك نحو جودة ونزاهة وأمانة الأداء، وتكريس التقاليد الرفيعة للعمل الوطني العام. الآن، وقد تعثر التنفيذ لما تم الاتفاق عليه مع رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" ستكون لنا رسالتنا الى الخارج، وهذه الرسالة لن تكون مقنعة، إن لم تدل عليها صدقية وسلامة عملنا في السلطة و"المنظمة" لغةً وبناءً وأداءً واختياراً للعناصر الأفضل وتصويباً للأخطاء. ولعل هذا هو أهم ما نفعله، في مرحلة انسداد أفق العملية السلمية وتعثر المصالحة!