مدارات - التحذير بعد التنظير: فهمي هويدي ناصحاً
لو كنت في موقع الرئيس محمود عباس، لخلعت من مهمة ترؤس الحكومة، ولظللت على دأبي، ألاحق العيّار الممانع الى باب الدار، حتى ولو كان التوافق على ترؤس هذه الحكومة، من نصيب خبير الأنفاق وحافرها الأشهر الملقب بـ "الفأر". فالرجل مستقل، ولعله ينجح بنعومة ملمسه، في أخذنا الى المربع الذي نستأنف منه عودة كاشفة للاحتكام الى الشعب، في سياق عملية توحيد الإطار السلطوي الفلسطيني ودمقرطته. فالممانعون، وهم يبثون خطابهم التضليلي، ليسوا قادرين على الانتقال من الموجة الطويلة الى إف إم، دون المرور بمرحلة وسيطة. وقد بات شأنهم، يمثل فراشة المختبر، التي يتقصى تفصيلاتها ويحلل خلاياها وفقراتها، كل المهتمين في العالم العربي، برصد السلوك الإخواني في الحكم. فنحن وعلى الرغم من مصائبنا وسوء أحوالنا، بتنا في صدد مشاهدة عرض شيّق، يتنبأ بأحداثه أصدقاء الإخوان وأحبابهم، فضلاً عن خصومهم الفكريين. فمن كان يتخيل أن يأتي يوم، ينشغل فيه الكاتب الإسلامي فهمي هويدي، بتعليم "إخوان" بلاده فن السياسة، ساخراً من زلاتهم عند أول "كوع" مسلطاً الضوء عليها. الرجل يقول لهم بالمعنى: أفيقوا، وأحذركم من الوقوع في غواية السلطة لأنها ستأخذكم الى حيث تخسرون أنفسكم وجمهوركم. وقد كتب هويدي عن انهماك قيادات "الإخوان" المصريين في إعداد قائمة الوزراء وتوزيع الحقائب، فقال إن التجربة ستقضي على شعبيتكم لأنكم أمام أحد احتمالين: إما أن تتماشوا مع قواعد اللعبة السياسية في المنطقة وفي العالم،ـ وإما أن تركبوا رؤوسكم، وعندئذٍ ستخربون بيتنا، ويمكن في أقل التقديرات، أن تقتحم إسرائيل قطاع غزة، لتثبت أنكم لن تفعلوا شيئاً، فيقع الاختبار العسير لكم. من هذا المنطلق، دعاهم فهمي هويدي الى الاكتفاء بقوتهم في مجلسي الشعب والشورى، وبات الرجل متخصصاً في التحذير، وهو صاحب التنظير الإسلاموي الطويل الغليظ، في الشأن الفلسطيني!
* * *
غير أن هذا المنظّر الأبرز للإسلام السياسي خلال العقدين المنصرمين، لم يقل ما يقوله الآن كارهو الإخوان والمتخوفون من دور "الجماعة". هؤلاء بدأوا في الحديث عن "الحرية والعدالة" كحزب وطني جديد، وعن دور مريب يلعبه الرجل الأقوى في قيادة "الجماعة" خيرت الشاطر. وقبل أيام قليلة اتهمته أوساط ليبرالية وقومية بأنه كان وسيط الصفقة، التي أطلق بموجبها المتهمون الأمريكيون بتمويل منظمات البلبلة السياسية في مصر، فيما ينظر القضاء في قضيتهم، ليقع الرأي العام المصري في الاحباط. ومن يراقب الوضع المصري، يتأكد أن "الإخوان" يخسرون في كل يوم، خاصة وأن حجم التأييد الذي حصلوا عليه، جاء من الأغلبية الصامتة أو غير المتحزبة، التي رغبت في التغيير وتعاطفت مع "الجماعة" بسبب مظلوميتها المديدة.
الكاتب فهمي هويدي، يذكّر "الاخوان" بمأساة غزة التي وقعت بسبب تسلم "حماس" للحكومة التي قاطعها عملياً الأقربون والأبعدون في المنطقة والعالم. وهويدي هذا، كان على رأس جوقة التخوين، عندما وقع الشقاق، وظل يؤيد الخيار الحمساوي. الآن، وعندما وصل الأمر الى التجربة العملية المباشرة في بلاده، رأيناه يحسب ألف حساب، ويرفض تشكيل حكومة إخوانية تجعل مصر عرضة لمقاطعة دولية. يقول لجماعة الإخوان ـ بالمعنى ـ اخلعوا طوعاً من الحكم، لكي تفلتوا من الذميمتين: أن ينكشف بؤس رصيد خطابكم على أرض الواقع، أو أن "تودونا في داهية" مثلما حصل مع غزة!
المُنظّر الإسلامي هذا، كان يؤيد أن تحارب غزة إسرائيل بمفردها، مع ما تيسر من معونة من عربات إسعاف وصناديق أدوية وغذاء. الآن هو يخاف على مصر حتى من حكومة ناعمة. هنا، ورغم أهمية ما يقوله هويدي وصوابيته، ينكشف الكذب بأثر رجعي، وينفضح زيف خطاب الطنين الذي أسمعنا إياه لسنوات هو وغيره.
في فلسطين، لو كنت في موقع أبو مازن، لظللت ألاحق العيار الى باب الدار، ولتخليت عن مهمة ترؤس الحكومة، حتى ولو كان التوافق على أن يترأس الحكومة، خبير الأنفاق وحافرها الأشهر الملقب بـ "الفأر". فمن المهم أن تكون الأمور واضحة، لكل ذي بصر وبصيرة!