في نظر إيران شيطانان
بيروت: التقى رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بالامس رئيسا اميركيا يستعيد توازنه السياسي انتخابيا ويبدو واثقا أكثر من أي يوم مضى من إمكان الفوز بولاية ثانية ما يعطي باراك اوباما مرونة للتغزل باللوبي الاسرائيلي في واشنطن مقابل الالتزام بنصائح مستشاريه بعدم الانجرار الى حرب على ايران توقيتها خاطئ وظروفها غامضة.
سمح البيت الابيض بخمس دقائق فقط من التصوير خلال هذا اللقاء في المكتب البيضاوي لتفادي المحاضرات المطوّلة التي ألقاها نتنياهو في اجتماعهما الأخير، وكان واضحا ردة فعل اوباما المتحفظة عند ترداد نتنياهو «الشيطان الاكبر والاصغر» في وصفه لنظرة النظام الايراني الى الولايات المتحدة واسرائيل. اللافت ان اوباما بدأ
كلامه من «الربيع العربي» للتأكيد على ان هذا هو مكان الحدث في المنطقة الآن، وبعدها جدد التزامه «الصلب كالصخر» بأمن اسرائيل وحاول لعب ورقة دبلوماسيته الساحرة بالقول «اتطلع الى ان يشاطر رئيس الوزراء معي افكاره حول كيف يمكننا تعزيز احتمالات السلام والامن في المنطقة» واضاف حول ايران بالتحديد «اعلم ان كلا مني ورئيس الوزراء يفضل حل هذا الامر دبلوماسيا... ندرك تكاليف اي خيار عسكري».
وقال اوباما خلال لقائه التاسع مع نتنياهو منذ العام 2008 انه «غير مقبول من منظار اسرائيل ان يكون هناك بلد مع سلاح نووي دعا الى تدمير اسرائيل»، مشيرا الى انه من مصلحة واشنطن منع ايران من الحصول على سلاح نووي لانها لا تريد سباق تسلح نووي في المنطقة واضاف «لا نريد ان نرى نظام دولة راعية للارهاب يشعر انه قادر على التحرك بطريقة اكثر عدوانية او مع حصانة نتيجة لقوته النووية».
من جهته حاول نتنياهو استدراج غطاء اميركي لاي خيار عسكري اسرائيلي قائلا في هذا السياق «قادة ايران يعلمون» ان اميركا واسرائيل «تدافعان عن مصالح مشتركة ويواجهان اعداء مشتركين». واضاف مخاطبا اوباما «تعلم بالنسبة لهم انتم الشيطان الاكبر ونحن الشيطان الاصغر. بالنسبة لهم، نحن انتم وانتم نحن... وعلى الاقل في هذه النقطة الاخيرة، اعتقد انهم على حق». وقال نتنياهو «يجب ان يكون لاسرائيل دائما القدرة على الدفاع عن نفسها بنفسها ضد اي تهديد وانه عندما يتعلق الامر بأمن اسرائيل لدى اسرائيل الحق السيادي باتخاذ قراراتها الخاصة» وختم قائلا «بعد كل شيء، الغرض الحقيقي من الدولة اليهودية استعادة سيطرة الشعب اليهودي على مصيرنا. ولهذا مسؤوليتي العليا كرئيس للوزراء هي ضمان ان تبقى اسرائيل سيدة على مصيرها»، وهنا كان واضحا ايضا تعبير وجه اوباما بعد هذا التصريح.
وتطرح منظمة «ايباك» حاليا مشروع قانون في مجلس الشيوخ يرفض كليا استراتيجية الاحتواء في التعامل مع الملف النووي الايراني، وقد اعلن اوباما أمام مؤتمرها رفضه هذه الفكرة التي كانت تدور في أروقة الادارة الاميركية في اول عامين من ولايته ووضع في هذا الخطاب ايضا ضوابط لقائه مع نتنياهو متحدثا عن الكلام «الفضفاض» حول ضربة عسكرية وكان رد نتنياهو عليه من البيت الابيض بالامس حول «الحق السيادي» لدولة تحصل من واشنطن على ثلاثة مليارات دولار سنويا من المساعدات العسكرية.
وتوحي الاجواء داخل الادارة الاميركية حاليا ان الحكومة الايرانية تبدو كأنها جاهزة لحوار مع المجتمع الدولي وتعيش انقساما داخليا في وقت بدأت تثمر فيه العقوبات، وبالتالي اي تصعيد في المواقف على طهران والحديث عن ضربة عسكرية سيفيد الحكومة الايرانية داخليا. وموقف البيت الابيض لم يتغير باعتبار ان «الربيع العربي» تمحور حتى الآن حول عناوين داخلية غير مرتبطة بالولايات المتحدة واسرائيل وبالتالي اي ضربة عسكرية على ايران ستغير هذه المعادلة. اوباما أنهى يومه الاسرائيلي بلقاء مع وزير الدفاع ليون بانيتا الذي التقى بدوره نتنياهو، وألغى البيت الابيض بالامس مؤتمره الصحافي اليومي ليتفادى على الارجح الاسئلة الصعبة حول الاختلاف بين اوباما ونتنياهو حول ايران.
الغموض بين الجانبين لا يزال حول مسألة توقيت حصول ايران على السلاح النووي والوقت الذي تحتاجه واشنطن لتقييم فعالية ضغوطها على ايران، والسؤال الرئيسي اذا ما خرج لقاء اوباما-نتنياهو بخلاصة واضحة حول هذه المسائل، في وقت ذكرت فيه صحيفة «وول ستريت جورنال» ان توجيه ضربة عسكرية اسرائيلية يبقى موضع غموض قبل الانتخابات الرئاسية الاميركية لان اوباما سيكون بعدها في موقع اقوى ولن يحتاج فيه الى تبرعات مالية ودعم سياسي وبالتالي سيكون اكثر قدرة على رفض طروحات نتنياهو.
وعلى صفحة كاملة في «الواشنطن بوست»، نشر المجلس القومي الايراني الاميركي اعلانا تحت عنوان «السيد الرئيس: قل لا لخيار الحرب مع ايران» ، مع تصريحات لبانيتا ورئيس هيئة الاركان المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي يحذران فيها من تداعيات ضربة عسكرية على ايران. ومع توقيع قيادات عسكرية سابقة في الجيش الاميركي، يقول الاعلان لاوباما «ليس لكل تحد حل عسكري... الا اذا تعرضنا نحن او حليف لاعتداء، الحرب يجب ان تكون الخيار الأخير». وختمت الرسالة العلنية بالقول «العمل العسكري في هذه المرحلة ليس غير ضروري فحسب، انه خطير للولايات المتحدة واسرائيل». الجانب الاقتصادي رئيسي ايضا في قرار التعامل مع ايران، بحيث ارتفع سعر غالون الفيول الى حوالي 3,80 دولار في الولايات المتحدة بعدما كان 3,48 دولار الشهر الماضي في ظل قلق من ان يؤدي وقف صادرات النفط الايرانية الى تراجع في الاسواق الاميركية على ابواب الانتخابات الاميركية.
رد حزب الله
وتعليقاً على الخطاب الذي ألقاه اوباما أمام مؤتمر «إيباك» أمس الأول، أصدر «حزب الله» بيانا اعتبر فيه أن «أوباما، بتصريحاته الرسمية والعلنية الوقحة هذه، يكون قد أكد أيضاً وَضعَ نفسه وإدارته في موقع الشريك الكامل في الجرائم وأعمال القتل والحروب والانتهاكات التي ارتكبها ويرتكبها العدو الصهيوني في منطقتنا والعالم». وأضاف البيان «وإذ تعمّد الرئيس الأميركي إهانة العرب من خلال عدم ذكرهم أو إبداء أي احترام لهم ولحقوقهم إزاء العدو الإسرائيلي، فإن بعض العرب يصرّون على وضع رؤوسهم في الرمال، والإمعان في تبعيتهم لهذه الإدارة التي لا تقيم أي وزن حتى للذين يعملون معها وفي خدمتها».
ورأى «حزب الله» في بيانه أن «هذه الحقائق تثبت بشكل قاطع أن المقاومة في لبنان وفلسطين، ومعها محور الممانعة الذي يمتد من هذين البلدين إلى سوريا وإيران، تمثّل خط الدفاع الأول عن العرب والمسلمين شعوباً ودولاً، حتى الذين يضعون أنفسهم في خدمة الولايات المتحدة الأميركية»، وأن «هذا الموقف الأميركي الجديد يؤكد سراب الرهان على المفاوضات، وأن على السائرين في رِكاب الولايات المتحدة أن يكفّوا عن الإيمان بالوعود الأميركية، فيما تاريخ الإدارات الأميركية مبني على الكذب والغش والخداع والدعم المطلق لإسرائيل على حساب شعوب أمتنا التي عانت الأمرّين من إرهاب واشنطن وحلفائها».
السفير