نعمة الغاز قد تصبح نقمة

بقلم: يردين غازيت

تبحث محكمة العدل العليا هذه الايام في التماسات رفعت في قضية قرار الحكومة السماح بتصدير الغاز الطبيعي. يبدو أن الجميع الوزراء والمحتجين ضد القرار على حد سواء يعتقدون ان اكتشافات الغاز هي ‘نعمة’ او على الاقل بركة للاقتصاد الاسرائيلي، وأن الخلاف هو فقط حول الطريق الافضل لاستغلال الوفرة. ولكن التجربة في دول اخرى تفيد بان هذه الوفرة قد تتكشف بالذات كنقمة.

الاقتصادي حازم الببلاوي كان حتى وقت قريب مضى شخصية مجهولة بالنسبة للكثيرين الى أن عين رئيسا للحكومة الانتقالية في مصر، ولكن هذه الشخصية معروفة للباحثين في دوائر الاقتصاد والعلوم السياسية. الببلاوي هو أحد الخبراء المتصدرين في كل ما يتعلق بالدول الناقلة أي الدول التي معظم مداخيلها تأتي من بيع المقدرات الطبيعية وليس من ضرائب المواطنين.

كان بودنا أن نعتقد بانه في الديمقراطية نمنح قوة للحكومة إذ ننتخبها في انتخابات مرة كل أربع سنوات، ولكن القوة الحقيقية نمنحها للحكومة من خلال الضرائب التي ندفعها لها كل يوم. فالسياسيون لا يحتاجون فقط الى اصواتنا، بل يحتاجون ايضا الى مالنا، بدونه وان كانوا سيبقون منتخبي الشعب، ولكنهم سيكونون عديمي القوة الحقيقية.

أظهر الببلاوي في بحوثه ان الحكومات التي اساس مداخيلها يأتي من بيع المقدرات الطبيعية تميل لان تكون اقل انصاتا لاحتياجات المواطنين. فالسياسيون في هذه الدول يعرفون انه يمكنهم ان يمولوا اجهزتهم بواسطة النقل والبيع وهم لا يحتاجون الى سكان متعلمين ومعافين، الى قطاع خاص محدث ومنتج، استثمارات او مجتمع مدني متطور. وحين لا يكون مطلب تمويل الحكومة من خلال الضرائب، لا يميل المواطنون الى الاحتجاج ضد الحكومة.

عندما يثور احتجاج مدني، يرد السياسيون عليه بتعميق الدعم الحكومي وجعل المواطنين متعلقين باموال الحكومة. وكنتيجة لذلك تميل هذه الدول ليس فقط لان تكون فاسدة وضعيفة اقتصاديا بل وايضا اقل ديمقراطية وأكثر طغيانا.

نقمة المقدرات’ ساهمت في تشكل أنظمة مطلقة ومناهضة للديمقراطية ليس فقط في مصر بل ايضا في فنزويلا، روسيا، ايران، السعودية ودول اخرى. النموذج النرويجي الذي يكثر من الانشغال فيه هو أغلب الظن استثنائي. ومع ان لاسرائيل اساسات ديمقراطية اكثر متانة من دول نامية، ولكن فيها ايضا قد تضرب ‘نقمة المقدرات’. في اعادة صياغة للشعار المعروف للثورة الامريكية ‘لا ضرائب بلا تمثيل’، تفيد التجربة بان ‘لا تمثيل بلا ضرائب’.

بحوث مثل بحث البروفيسور دانييل ممان من جامعة بن غوريون أظهرت بان في اسرائيل ايضا الاعتماد على المساعدة الخارجية من الولايات المتحدة ودفعات التعويض من المانيا، والتي شكلت مثابة دولة نقل وبيع في أنها قلصت الحاجة الى جباية الضرائب من المواطنين ساهمت في نشوء اقتصاد مركزي في الستينيات والسبعينيات. الاقتصاد الاسرائيلي لا يزال يعاني من هذه المركزية التي لم تفكك حتى اليوم.

كيف بالتالي ينبغي مواجهة هذا التحدي؟ لا يكفي اقامة صندوق ثراء وطني يستثمر اموال الغاز في خارج البلاد. من الافضل ايضا تقليص نصيب الحكومة في المداخيل من الغاز وابقاء معظمها لدى القطاع الخاص. هكذا تبقى الحكومة متعلقة باموال الضرائب التي ندفعها وليس بالاسعار الذي تتحرك في سوق الطاقة العالمية. اضافة الى ذلك، ينبغي اتخاذ خطوات لرفع النمو: ازالة حواجز الاستيراد، مكافحة الاحتكارات والاصلاحات في الخدمة العامة. عندها سيكون الغاز عنصرا آخر في اقتصاد نامٍ يخدم مجتمعا معافى وليس دولة نقل وبيع للسياسيين.

حرره: 
ع.ن