قميص برأسين !
مثل "الصعاليك" لا زلت أتنقل من مكان إلى مكان شريدا منذ وصلت من "قريتي" إلى رام الله، وكثيرا ما أحمل " ثيابي الأسمال" في حقيبة صغيرة منّ علي بها صديقي "عبد الغني سلامه"، وهو مخلوق إنساني يمتاز بفيض كبير من الصدق وعفة النفس مع طيب سريرة قلما أن تتوفر في هذا الزمن. ولأنني - حاليا - مثل هالوك متطفل؛ حصل أن علق - عبد الغني- بقوله: " كأنه إلك راسين !! "، على منظر هدمتي المكوية التي شاءت الصدفة أن علقتها ذات مرة تحت علمين صغيرين في منزله، أحدهما ألماني والآخر علم دولتنا المحتلة.
كان هذا في الصباح الباكر، وذلك يعني نهوضي من النوم مشوش الذهن، مستمرا في إغماض عيني وأنا أحتسي - معه - قهوة فيروز، شادا أنفاس سيجارة أدفع دخانها إلى رأسي كي (أصحصح)، وفي مثل هذا الحال - البائس - قلما أعير انتباها لأي شيء ! لكن التعليق طارد ذهني - مع الأسف - ونحن نستقل ذلك (الفورد) الذي أقلنا إلى "دوار الساعة أو ميدان ياسر عرفات"، وكم عجبت للتشبيه حين أدركت بأنني بالفعل برأسين !؛ فهما يتبادلان الامتلاء والسذاجة، ويجعلاني تارة مقبولا، وغالبا "غير مُقنع للآخرين" - ربما يكون ذلك بسبب (الصعلكة) التي أحياها الآن -
المثير للسخرية أن البعض في هذا البلد برأسين؛ أحدهما فلسطيني والآخر له مشروعه الشخصي أو جنسيته الآخرى؛ سواء كان هنا أم كان في أرض الشتات. أيضا؛ أكان يحمل جواز سفر لأي دولة أم تواجد "قسرا" فيها !! ومن ملامح ازدواجية الرأس؛ أولئك العاملين باسم فلسطين لأجل الآخرين ضمن الأجندات المتنوعة الألوان والأحجام ومن كل حدب وصوب !
ضمن تلك الملامح، تجد البعض فلسطينيين في مصر -مثلا- بلسان مصري، ويتماشى -هذا البعض - مع نظامها في خريفه أو ربيعه! وهذا منسحب في كل دولة عربية أو غير عربية، وآخرين طالما تواجدوا على تلك الأرض (المُضيفة) يُدافعون عنها بشراسة تُنسيهم - أحيانا - عدالة قضيتهم ! فمنا من هم فلسطينيين عربا، وغربيين، وأمريكيين، وحتى من خان الوطن لأجل الاحتلال هم فلسطينيون - إسرائيليو الرأس الآخر !
نتحدث اللهجات واللغات المختلفة، ونحمل الجنسيات الكثيرة إلى جوار فلسطينيتنا العزيزة، بعضنا مُخلص لكنه مُجبر على ما هو فيه، وبعضنا عكس ذلك - ربما -، ومشروعنا الوطني - أي حصولنا على حريتنا واستقلالنا - بات في ظل المرحلة الراهنة "دما متفرقا على قبائل العالم" تسفحه ازدواجية الرؤوس من عروق الحالمين بالحرية والحقيقة، أولئك المحافظين صمودا على الهوية الوطنية، وهم أصحاب الرأس "الواحد" والهدف الأوحد (فلسطين).