ما هي وجهته؟

بقلم: يوسي فيرتر
في الكنيست، الحكومة، أذرع الأمن والجمهور يُطرح السؤال: هل نتنياهو جادّ، وهل يمكن أنه بعد تسعة شهور إلى سنة سيوقع على التسوية النهائية مع الفلسطينيين في البيت الأبيض، المتضمنة إخلاء المستوطنات المعزولة، وحدود 1967 مع تعديلات طفيفة، وتسوية بعيدة المدى في القدس وحل مسألة اللاجئين.
الرأي الشائع هو أن شيئاً كهذا لن يحدث. وأن أقصى ما لدى نتنياهو لا يقترب من الحد الأدنى لأبو مازن وأن بانتظارنا في نهاية المطاف انتفاضة ودماء ويأساً وخيبة. لكن إذا حدث ما لا يعقل، فقد تلقينا هذا الأسبوع إثباتاً على أن الشريك الائتلافي الأكثر إشكالية هو الليكود.
ويمكن لنتنياهو استبدال البيت اليهودي بحزب العمل، لكنه لا يستطيع استبدال كتلته ووزرائه. وفي الاختبار الأول هذا الأسبوع في موضوع عاطفي، ليس استراتيجياً أو أيديولوجياً أو جوهرياً، لم يؤيده معظم وزرائه: ثلاثة أيدوا تحرير أسرى كشرط لافتتاح المفاوضات، اثنان عارضا، اثنان امتنعا.
ويسهل تقدير كيف كان سينتهي التصويت لو أن أعضاء كنيست الليكود الذين ترفعوا في الانتخابات التمهيدية، تسيبي حوتبولي، زئيف ألكين، ياريف لفين وداني دانون، يجلسون على طاولة الحكومة. بالمناسبة دانون، نائب وزير الدفاع، كان في أميركا لمصلحة الليكود العالمي الذي يرأسه. وفيما أيّد وزيره، موشي يعلون، تحرير الأسرى نشر دانون بياناً حاداً من وراء البحار دعا فيه وزراء الليكود لمعارضة «الإفراج المجنون عن عشرات المخربين الملطخة أياديهم بدماء مئات الإسرائيليين».
هذه ثقافة السلطة في مدرسة الليكود. ورفض دانون أيضاً طلب رئيس الائتلاف، ياريف لفين، بتسريع عودته من الخارج للتصويت على قانون يقيد الكتل العربية ويسدّ أفواه المعارضة، المسمّى «قانون الحكم». وحدها وزيرة السلام والعدل، تسيبي ليفني هرعت للكنيست مباشرة من المطار للتصويت لمصلحة قانون لا تموت عليه. ليفني من كتلة الحركة تلعب وفق القواعد. دانون، رقم خمسة في قائمة الليكود، يستخف بالقواعد.
هذا الوضع الشاذّ بدا واضحاً أيضاً في اجتماع الحكومة يوم الأحد. ليفني، التي «دخول غرفة المفاوضات» توقها ومبرر وجودها السياسي، دخلت وخرجت من غرفة رئيس الحكومة، فرحة ومتأثرة كالعروس يوم زفافها. أما الذي تخلّف عن دعم نتنياهو فهو عضو حزبه، الوزير جلعاد اردان، الذي صوّت ضد. الحياة السياسية مثيرة للمفارقات: في ولايته السابقة، عندما ترأست ليفني المعارضة وهاجمت نتنياهو بشدة في الكنيست، كان اردان هو من دافع بجسده عن الزعيم. وكان يتشاجر مع ليفني، ويشتمها، فيما تظاهر نتنياهو بقراءة واحدة من السير الذاتية لتشرشل.. والعكس الآن: ليفني هي السند. امرأة جيدة. جلعاد هو شوكة في مؤخرته..
في رئاسة الحكومة يعزون دوافع غريبة لتصويت أردان: مثلاً، امتعاضه من عدم تعيينه سفيراً في واشنطن واختيار المستشار رون دريمر. ويستحيل معرفة ما دار في خلد وزير حماية الجبهة الداخلية، لكن ثمة أمر واضح: أنه يسير في الطريق الذي رسمه له شخص واحد: بنيامين نتنياهو، في عدد لا يحصى من الخطب والكتب والأصوات. وعلاوة على ذلك، وقبل أسبوع من إعلان وزير الخارجية استئناف المفاوضات، انطلق اردان من استوديو إلى آخر للتحريض ضد الإفراج عن الأسرى كشرط لاستئناف المفاوضات. وكانت رسائله برأي رئيس الحكومة. عندما غيّر نتنياهو فجأة رأيه ووافق على الإفراج عنهم، اردان واجه مشكلة.
لكن الخصومة بين نتنياهو وإسرائيل كاتس، المعارض الثاني، كانت أشدّ. صبيحة الاجتماع برر في مقابلة إذاعية نيته التصويت ضد. وبين أمور أخرى ذكر كتابات نتنياهو ضد الإفراج عن الأسرى في صفقة جبريل. وأشار إيجاباً لاسحق رابين، الذي لم يوافق على الإفراج عن هؤلاء المعتقلين حتى في حمى الابتهاج باتفاقيات أوسلو. ولا مثيل لكاتس في تشخيص نقاط ضعف نتنياهو، وقد اختار ضربها جميعاً.
وأراد القدر وتأخر نتنياهو في الصباح نفسه عن مكتبه. وأصغى للإذاعة في سيارته وثار غضباً. وعندما حان دور كاتس للحديث في الحكومة، هاجمه باستخفاف: «لا حاجة. سمعناك في الإعلام». ولم يكفّ كاتس. وتساءل: «هل حُرمت من حقي في الكلام؟ في السنوات الأخيرة أحببتَ جداً سماع تحليلاتي في الإعلام. عموماً سأستمر في الإعراب عن رأيي كما دائماً. فقد جلسنا سوياً في هذه الغرفة، سيدي رئيس الحكومة، وصوّتنا ضد الإفراجات والصفقات والاتفاقيات. وأنا أبلغكم أنه بعد نصف عام ستعترفون أن هذا كان خطأ جسيماً. لن ينتج شيء عن المفاوضات مع الفلسطينيين، لكن المعتقلين سيكونون هناك».
ويرجع النزاع بين نتنياهو وكاتس إلى ما قبل شهور عدة، إلى انتخابات الليكود وفشل نتنياهو في استبدال المدير العام لليكود. ويبدي كاتس، دون ريب، استقلالية لدرجة التنصّل. وسلوكه يشير إلى ظنه أن نتنياهو يسير في طريق شارون وسيترك الليكود. وبدأ كاتس في بناء نفسه كمرشح لزعامة الحزب في عهد ما بعد نتنياهو. لذلك فإنه يغمز يميناً، نحو المنتسبين، وهو يتوق لمحاربة لجان العمال في الموانئ، عبر تشديد على مواجهة رئيس الحكومة بل والإعلان في الحكومة: «ينبغي أداء التحية لاسحق رابين لرفضه تحرير المعتقلين. فرجل حزب العمل هذا كان إنساناً جدياً».
هذا حساب كاتس: إذا ترك نتنياهو وأنشأ حزباً جديداً، فإنه لن يخرج معه. سيبقى في الليكود ويتنافس على الزعامة. إذا بقي نتنياهو، فسيحتاج إلى كاتس بسبب قوته في مؤسسات الحزب وفي أوساط أعضاء المركز. أياً يكن الحال فإنه ليس الرجل الصامت.