أبو مازن لا يريد!

بقلم: ايلي أفيدار
بينما تمتلئ الصفحات الاولى في الصحافة الاسرائيلية بصور الابتسامات من واشنطن، يقود رئيس السلطة الفلسطينية احدى خطوات الخداع الاكبر منذ بدء المفاوضات المباشرة بين اسرائيل والفلسطينيين، قبل أكثر من عقدين. ويفعل ابو مازن ذلك دون أن يغطي أو يتظاهر، وحتى دون رد فعل من الأميركيين او الاسرائيليين.
في انتقال الشعوب من المواجهة الى الحل الوسط مطلوب اعداد ثابت وطويل للرأي العام للواقع الجديد. دون دعم جماهيري لن يكون اتفاق. هذا صحيح في نظام ليبرالي مثلما في اسرائيل وكذا في حكم أقل ديمقراطية، كالذي يوجد في رام الله. وحتى لو كان الحديث يدور عن تظاهر بالاعتدال في الموقف أو لعبة، فان للتصريحات العلنية للزعيم أهمية استثنائية.
لقد رفض ياسر عرفات ابداء المرونة في المفاوضات ومنعها من ان تنضج الى اتفاق سلام. ولكن حتى هو خلق مظهرا من الاستعداد للحل الوسط (ربما ايضا كتطلع لان يحظى بنقاط استحقاق في الاسرة الدولية). أقنع حديثه عن "سلام الشجعان" الاسرائيليين والفلسطينيين بصدق نواياه.
أبو مازن اسوأ من عرفات. سلوكه العام عديم الخجل. الامر الوحيد الذي يعد به الشعب الفلسطيني هو تحرير السجناء. ولا ترمي اية خطوة له لتجنيد الدعم الجماهيري للمفاوضات او تبديد الانطباع الذي يسود السنوات التي ادار فيها سياسة احادية الجانب ضد اسرائيل في الامم المتحدة وفي اوروبا. فالاعلان عن تحرير السجناء لا يأتي لاقناع الفلسطينيين لدعم السلام بل لتمجيد الرئيس.
لو كان ابو مازن يريد حقا الوصول الى اتفاق، فان مصلحته السياسية هي تجنيد الدعم الشعبي للمسيرة، بحيث يحميه من قوى المعارضة وحماس. ولدى الرئيس ادوات عديدة: كان بوسعه أن يطلب من اصدقائه في الجامعة العربية أن يسندوه علنا هذا الاسبوع. كان يمكنه أن يدفع شخصيات ذات مكانة عامة لدى الشعب الفلسطيني للحديث في صالح المفاوضات. كان يمكنه أن يتوجه الى شعبه بصوته واقناعه بالحاجة الى السلام.
ليس صدفة أننا لم نرَ مظاهرات كبرى في أرجاء السلطة ضد المفاوضات. فحتى حماس تجلس بصمت، ولا ذكر للمهرجانات الكبرى التي رأينا في الماضي في غزة. فمنظمات الرفض الفلسطينية تفهم الرسالة جدا. هدف المحادثات ليس اتفاق سلام بل انتزاع انجازات من اسرائيل قبل التوجه المتجدد للامم المتحدة والاتحاد الاوروبي.
هناك من سيدعي بان حكومة اسرائيل هي الاخرى لا تخرج عن طورها لدعم المسيرة. ولكن المتابعة لتصريحات رؤساء الاحزاب الكبرى من العمل، عبر يوجد مستقبل وحتى الليكود بيتنا وشاس – تفيد بانها جميعها تحدثت عن المفاوضات المباشرة التي تؤدي الى اقامة دولة فلسطينية. الجمهور الاسرائيلي مستعد، ولكن هناك حاجة لاثنين لرقصة التانغو.
على اسرائيل أن تطالب بذات النوع من الالتزام من السلطة الفلسطينية. لا يوجد اي سبب يمنع المتفاوضين نيابة عنها، والرئيس نفسه، من التوجه الى شعبهم ليوضحوا كامل التزامهم للمحادثات التي بدأت. لا يوجد اي سبب يمنعهم من الحديث عن السلام والتعايش، تماما مثلما فعل زعماء اسرائيل من فوق كل منصة في السنوات الاخيرة. اذا كان الوسطاء الأميركيون جديين في نواياهم، فان عليهم أن يساندوا هذا المطلب بشكل لا لبس فيه. وحتى ذلك الحين فان الحديث يدور عن خداع ليس أكثر.