صفقة جبريل (الرجوب)

بقلم: يوعز هندل

لا توجد اشارة الى الاحتلال في غرفة مباحثات جبريل الرجوب. فالعلم الفلسطيني والخريطة على الحائط انتقائيان، وللرجوب شعارات عامل حكومي. جئت اليه مع مجموعة من الاسرائيليين. كانت لغته مُصالِحة، وتحدث عن علاقات جوار وعن فصل بين الشعبين. أعطونا خطوط 1967 وسيكون كل شيء على ما يرام وسيختفي الواقع: غزة والسلطة الفلسطينية والتحريض، وهذا مؤكد تماما.

يتمتع الرجوب بعلاقات طيبة مع اليسار الاسرائيلي، فهو ضيف شرف في مؤتمرات سلام. وهو ضيف مطلوب ايضا في شبكات تلفاز عربية، ويحصل كل واحد عنده، كما هي الحال عند أبو مازن، على ما يريد ان يسمعه. فهو في لبنان يتحدث في تصميم نظري عن انه لو كان يملك سلاحا ذريا لاستعمله. ويتحدث في الغرب عن الاحتلال وارادة وجود حل.

إن الرجوب متفائل وإن كان لا يوجد ما يدعو الى ذلك بحسب تصريحاته المتعلقة بخطوط 1967. إن التفاوض يجعله يشعر شعورا طيبا، وحينما يُسأل يعارض الحديث عن الوعود التي تلقوها من الامريكيين كي يعودوا الى طاولة التفاوض وإن كان واحد منها قد تحقق بقرار حكومي.

قبل فترة في الحكومة السابقة كانت هذه الخطوات تسمى ‘شروطا مسبقة للتفاوض’. وقد عارضت اسرائيل الرسمية ذلك بشدة، وعارضه رئيس الوزراء، ويسمون ذلك اليوم بلغة عبرية سياسية ‘تفضلا’ وتؤيده الحكومة.

إن المعسكر الذي يفكر في الجمهور من اليمين واليسار يدرك ان الوضع الراهن في يهودا والسامرة يضر باسرائيل، لأنه لا يمكن تجاهل وجود الفلسطينيين ولا يمكن تجاهل الضغط الدولي. ويوجد من يبحثون عن حل مطلق. ويوجد من يؤمنون مثلي بأنه يمكن تنفيذ خطوات مرحلية فقط. وتوجد توجهات مختلفة لاجراء تفاوض وتوجهات مختلفة للمصلحة الاسرائيلية. والسؤال هو ما الذي يحدث حينما يعلن ساسة عن توجه ويلتزمون بتوجه آخر.

يمكن ان نفهم لماذا تجلس تسيبي ليفني في حكومة تؤيد الافراج عن مخربين عوض التفاوض. فقد قدست ليفني المسيرة السياسية وهي متفائلة بكل ثمن. ويمكن من وجهة نظرها تجميد الاستيطان والافراج عن السجناء بل رقص السومبا، اذا كان هذا ما يُحتاج اليه للجلوس الى الطاولة المأمولة. أما كيف نوفق بين هذا وبين التوجه الذي يعبر عنه الرجوب فأمر مختلف.

ويمكن ان نفهم ايضا منطق نتنياهو باعتباره رئيس وزراء، وهو رغم النقد له قد اجتاز الروبيكون حينما أعلن دولتين للشعبين. وقد تخلى عن معارضته التاريخية للافراج عن مخربين، حينما فعل ذلك بصفقة شاليط وهو الآن يتابع النهج نفسه.

وفي مقابلة هذين يصعب ان نفهم التناقض الغريب في توجه البيت اليهودي، فالذي يتابع التصريحات المعلنة ومنشورات المتحدثين يمكن ان يظن ان الحديث عن اعضاء معارضة، فهم من جهة يتنافسون في شدة التصريحات المتعلقة بظلم الافراج عن مخربين، ويحذرون (وبحق كثير) من ان الحكومة كانت ستجمد منذ انشائها بالفعل البناء في القدس والكتل الاستيطانية. لكنهم من جهة اخرى يجلسون في تلك الحكومة.

فما تفسير ذلك؟ تفسيره ان لهم انجازات ولا توجد شروط مسبقة. إن على الوزراء في الحكومة بحسب القانون الأساسي مسؤولية مشتركة عن كل قرار حكومي. فهذا بيتهم وسياستهم. وهنا بالضبط المشكلة، لأنه يجوز لحزب جدي ان يعارض بالتصويت قرارا فظيعا كالافراج عن مخربين ولا يجوز له ان يحتفل في وسائل الاعلام وكأنه لا يشارك في السياسة. فاذا كانوا في البيت يتحدثون بصوتين فلماذا نشتكي من جبريل الرجوب؟

حرره: 
م . ع