نتنياهو تخلّى عن مبادئه

بقلم: شمعون شيفر
"رؤساء الوزراء مطالبون بين حين وآخر باتخاذ القرارات خلافا للرأي العام عندما يكون الامر مهماً للدولة" – هكذا حاول بنيامين نتنياهو، أول من أمس، اقناعنا بصحة القرار الذي اتخذه لتحرير 104 سجناء فلسطينيين ممن لهم دم على الايدي، في اطار الشروط المسبقة قبيل العودة الى طاولة المفاوضات. حقاً؟ كان يفضل لو أنه صاغ بشكل آخر توجهه الينا: "ايها المواطنون الاسرائيليون خدعتكم. خلافا لكل القيم التي روجت لها على مدى السنين، اضطررت لان أخضع لضغط دولي وأتراجع عن مبادئي، انطلاقا من الافتراض بأن الامر سيحسن وضعنا في الساحة الدولية".
مثل هذا التوجه للجمهور كان يمكنه أن يكون أكثر اقناعا، وبالتأكيد مقارنة بالصياغة المتبجحة الاصلية – وكأنه توجد على الاطلاق حاجة لرؤساء وزراء لاتخاذ القرارات التي يدعمها الرأي العام. ولكن نتنياهو اختار أن يطعمنا بملعقة، وان يحلي القرص المرير بالقول ان الحديث يدور عن مراحل وعن تحرير متدرج. ولكن الحقيقة هي أن نتنياهو سيحرر كل السجناء الذين حكموا بالمؤبد، بمن فيهم عرب اسرائيليون حبسوا قبل التوقيع على اتفاقات اوسلو قبل العام 1993. لقد كان هذا هو احد الشروط الاساسية التي طرحها الفلسطينيون، وحتى عندما نفى مندوب الحكومة هذه الامور من على منصة الكنيست كان واضحاً انه لا يقول الحقيقة – فمنذ المحادثات مع وزير الخارجية الاميركي، جون كيري، قبل زمن طويل، اتفق على ألا يكون تحرير السجناء عقبة لا يمكن اجتيازها.
المبدأ الاخطر الذي انتهك هنا هو استعداد نتنياهو لان يشمل السجناء من مواطني اسرائيل. يوجد هنا مس جذري بالسيادة الاسرائيلية، عمليا التخلي عن السيادة والاعلان عمليا عن أن عرب الـ 48 هم جزء من الشعب الفلسطيني وان ابو مازن هو زعيمهم. عمليا، هذا استعداد للموافقة على ان يكون مواطنو الدولة العرب جزءاً من الكيان الذي يقوم هنا في المستقبل، في اطار التسوية مع الفلسطينيين.
وهكذا تكون بطاقات طيران تسيبي لفني والمحامي اسحق مولخو الى واشنطن اليوم الثلاثاء، تلك البطاقات التي ستأخذهما الى المحادثات على المحادثات التي ستكون أو لا تكون في المستقبل، قد اشتريت بدماء الاسرائيليين، الدم الذي سفكه القتلة الذين تقرر تحريرهم من السجن. ببساطة هكذا، ولا يوجد اي سبيل لتجميل هذا الامر الفظيع. الفلسطينيوند بالمقابل لم يدفعوا من دمائهم ثمن بطاقات الطيران الى العاصمة الاميركية، واسرائيل تعرض كمن هو قابل للضغط.
لا جدال في أنه في نهاية المسيرة، اذا ما تحقق اتفاق كامل بين اسرائيل والفلسطينيين، سيتحرر كل السجناء. هذا دارج بين الكيانات التي تنهي فترة مواجهة نازفة باتفاق سلام. ولكن هذه المرة، خلافا لمواعظ الماضي من قبيل "اذا اعطوا فسيأخذون وان لم يعطوا فلن يأخذوا"، يقرر نتنياهو نمط سلوك جديدا: يعطي ويعطي.
في المدى القصير، على الاقل، ابو مازن يمكنه أن يعرف بانه سيواصل الاخذ. ضعفه ورفضه اتخاذ قرارات تاريخية تجسد الحلم الفلسطيني بالسيادة سيمسان برئيس السلطة الفلسطينية فقط على المدى البعيد، هذا اذا حصل على الاطلاق. اما بالنسبة لنتنياهو، فيمكن التقدير بانه في ورديته لن يوقع أغلب الظن اي اتفاق، وبالذات لهذا السبب كان ينبغي له أن يقول، أول من امس، الحقيقة للجمهور. فقد كان ينبغي له أن يقول للجمهور ولم يقل: "ايها المواطنون الاسرائيليون لم أصدق للحظة بان الاميركيين سيحررون بولارد، مقابل القتلة الفلسطينيين، لاني أعرف النظام القضائي الاميركي: هناك، من حكم عليه بالمؤبد يجب أن يقضي كل فترة السجن، ليس مثلما عندنا يمكن للقيادة الفلسطينية أن تحرص على الارهابيين بان تقصر فترة حكمهم".