المصالحة: فصل تفاوضي مملّ

rajab_Abu_Sirriyeh_inside

التصعيد الإسرائيلي في القدس وتجاه الأسرى وحول القدس، يجب أن يقلق الفلسطينيين جداً، ذلك أنه يشير إلى محاولة إسرائيلية لإغلاق قوس التفاوض نهائياً، خارج حدود القدس أولاً وقبل كل شيء، كذلك يشير إلى إجراء إسرائيلي استباقي، يسبق أية محاولة فلسطينية لفتح الجبهة الدبلوماسية مجدداً، داخل أروقة الأمم المتحدة، حول مشروع قرار عضوية فلسطين في الأمم المتحدة أو حول انتهاكات الاحتلال لمدينة القدس كما لوّح بذلك المؤتمرون في الدوحة الأسبوع الماضي، أو حول الاستيطان، حيث يبدو أن السلطة الفلسطينية بدأت تراجع ذاتها وتفكر في العنوان الأنسب لفتح المعركة في الأروقة الأممية، والذي يضمن 'موافقة' المجتمع الدولي، الأوروبي منه خاصة.

ورغم أن أسيراً واحداً اسمه خضر عدنان ألحق هزيمة بالسجان الإسرائيلي وقدم درساً في 'التفاوض' للمفاوض الرسمي، وفتح بعد انتصاره على السجان الباب لهناء شلبي وللآخرين لإبقاء باب المواجهة بين الحركة الأسيرة والسجان الإسرائيلي مفتوحاً، ورغم أن المواطنين الفلسطينيين قد اجتازوا خطوط الأرقام التي تقسمهم، بين 48 و67 وتصدوا ببسالة لقطعان المستوطنين والمتطرفين اليهود الذين حاولوا فتح معركة القدس على مصراعيها قبل أيام، إلا أن القيادة الفلسطينية، ما زالت تعتقد أن مركز المواجهة إنما هو أروقة الأمم المتحدة .

بالطبع لا أحد يمكنه أن يتجاهل انحسار الاهتمام الدولي بالملف الفلسطيني، نظراً لوجود ملفات ساخنة إقليمية، حتى الإعلام العربي مشغول فيها، لكن في الوقت ذاته لابد من ملاحظة انه سبب سخونة كل الملفات الإقليمية يعود إلى نزول المواطنين للشارع، ليصنعوا قدرهم بأنفسهم، وليرسموا حدود مستقبلهم، بلفظ أنظمة الاستبداد والاستفراد، وهذا يجب أن يقدم درساً للفلسطينيين مزدوج المعنى والغاية.

السؤال هنا، هو حول السبب الذي يحول حتى اللحظة دون انطلاق الربيع الفلسطيني، وهل يعود السبب إلى أن الهدف كان أوضح عند الشعوب العربية التي أطلقت ربيعها، وهو إسقاط النظام الحاكم، فيما يواجه الفلسطينيون احتلالاً إسرائيلياً وفي الوقت ذاته سلطتين ونظام فصائل، بمجمله ومجموعه غير ديمقراطي، أي أن الهدف أمام الربيع الفلسطيني سيكون مركباً، أم أن هناك سبباً آخر أو أسباباً أخرى، ربما كانت الإجابة الأدق هي أن هناك أكثر من سبب، فبالإضافة إلى وجود هدف مركب وصعب التحقيق أمام الشعب الفلسطيني، فإن إرث الفلسطينيين السياسي ما زال هنا _ ربما هذه سلبية رافقت تأخر إنجاز هدف الاستقلال _ بمعظمه خارجياً، أي أن الشباب والشعب الفلسطيني معبأ بشعاراته ضد العدو الخارجي، فيما المجتمعات العربية وخلال عقود، تراكمت فيها الصراعات الداخلية، بحيث صارت ناضجة الآن لتحقيق الثورة الداخلية.

الشعب الفلسطيني على العكس، رغم حدوث اصطدام داخلي وصل إلى حد الحرب الأهلية أو الاقتتال الداخلي على السلطة، إلا انه غير قابل بمجموعه للإقرار بضرورة حسم الصراع الداخلي 'بثورة' هذا الواقع يضع العراقيل أمام إنجاز المهمة الخارجية _ مهمة الاستقلال _ ذلك انه كيف يمكن أن تحقق النصر على عدو خارجي بأدوات 'بتنظيمات' مثلومة، تتصارع فيما بينها، وانتشر الفساد وروح الفردية والذاتية الفصائلية في كوادرها وثقافتها الداخلية، ويتضح ذلك من خلال ما يستنفد حركتي فتح وحماس بالذات من وقت وجهد للتحريض أحدهما على الآخر، ولمحاولة كسب 'المعركة' ضده وعلى حساب التحريض والتحشيد ضد الاحتلال الإسرائيلي.

إن عجز حركتي فتح وحماس عن التراجع عن الانقسام الذي هما مسؤولتان عنه بالدرجة الأولى، طبعاً بغض النظر عن حجم مسؤولية 'فتح' عن 'حماس' في هذا الأمر، يوضح لنا حجم المأساة .

لابد في هذا السياق من التمييز بين المصالحة وإنهاء الانقسام أو تحقيق الوحدة الوطنية (الجغرافية والسياسية) فالمصالحة يمكن أن تتم بين دولتين أو كيانين، ومع جولات 'التفاوض' واللقاءات التي كانت تتم أو تجري قبل سنوات في ظل اشتراطات وتحت رعاية آخرين (السعودية، قطر، اليمن، مصر، سورية) يمكن القول إن اللقاءات قد خلقت أجواء تصالحية، وقد كانت سبباً في 'اختفاء' حرب الدعاية الإعلامية، بين الحركتين، وقللت من إجراءات الاعتقال وملاحقة كوادر وعناصر وقيادات الحركتين في غزة والضفة، وفتحت الباب لتشكيل اللجان التي وجدت فيها بعض الفصائل الهامشية وبعض الشخصيات الطامحة فرصتها في الظهور والتواجد الإعلامي وما إلى ذلك، وصارت لقاءات القاهرة المتابعة، خاصة الاجتماع الخير الذي تلا الدوحة فصلاً مملاً جداً، ذلك أن الحديث عن أجواء تصالحية أو اقتراب في وجهات النظر لم يعد يعني المواطنين في شيء، لأنهم ببساطة يتطلعون إلى خطوة حاسمة لإنهاء الانقسام، حتى لو أدت إلى اختفاء 'حماس' و'فتح' وكل الفصائل التي باتت مثل 'الأوثان' حيث نسي الجاهلون الهدف من إقامتها 'تقربنا لله زلفى' فعبدوها، فكان الكفر، فصائلنا قمنا بتشكيلها لتحرر فلسطين وليس حتى تصبح هدفاً وغاية بحد ذاتها، وهي حين تصبح كذلك لابد من تحطيمها كما حطم سيدنا محمد عليه السلام الأصنام وأعلن ذلك نجاح ثورته على طريق الإيمان والفتح،

'جاء الحق وزهق الباطل'، من الواضح أن 'حماس' و'فتح' أو قيادتهما، تفضلان المصالحة بينهما، حتى لا تواجهان معاً الشعب منتفضاً في ربيع فلسطيني داخلي، على إنهاء الانقسام، ما دامتا لم تتفقا فعلياً على شراكة مشتركة، فلا ضير من شراكة متجاورة، هنا تبدو المصالحة فعلاً يعزز الانقسام ويطيل في عمره، المشكلة طبعاً تتمثل في أن مصلحة إسرائيل هي عدم توحيد الفلسطينيين لا تحت سيطرة هذا ولا ذاك، ثم عدم وجود وحدة جغرافية، وهذا الواقع يقف إلى جانب الانقسام وثم في تداخل مهمات الكفاح الوطني بين مهمة التحرر ومهمة الديمقراطية، فلو كانت القيادة السياسية حزبية أي غير فصائلية بمعنى أن أحزابنا غير مسلحة لما كان ممكناً الاحتكام للقوة العسكرية في فض الخلاف السياسي، ثم لو كانت الدولة الفلسطينية ناجزة، لاحتكم الشعب إلى صناديق الاقتراع والى الدستور والقوانين ومؤسسات الدولة، كل ذلك يمثل تفاصيل الملف الداخلي المعقد، لكن الشعب الفلسطيني، بمجرد أن ينطلق في الشارع سيعرف كيف يجيب عن كل هذه الأسئلة، وسيقلب الطاولة ضد الجميع: الاحتلال ونظام العجز الداخلي عن إنجاز مهمة التحرير والوحدة _ وله في ذلك سوابق انتفاضية، المهم أن يبدأ الاعتصام ولو تحت شعار مطلبي واحد مثل 'الشعب يريد في غزة الكهرباء وفي الضفة الماء والهواء'!

Rajab22@hotmail.com