'حماس': مغادرة سورية ... وتبرير غير منطقي!

ربما كنا بحاجة ماسة إلى الربيع العربي حتى تظهر القوى السياسية المختلفة في العالم العربي في صورة ديمقراطية ناصعة، فجزء كبير من هذه القوى لا يعرف معنى الديمقراطية، ولا يطبقها في حياته الداخلية، ولا حتى في التعامل مع قضايا الجماهير والمواطنين، ومن تسنى لها أن تصل إلى الحكم من هذه القوى كانت تمارس الديكتاتورية بأسوأ صورها. وحتى لا نبعد كثيراً في الحديث عن العموميات لدينا تجربة فلسطينية تستحق الدراسة والتمحيص، ألا وهي تجربة حركة 'حماس'.

من يسمع موسى أبو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي لحركة 'حماس' يصرح بأنه غادر سورية مع باقي قيادات الحركة احتجاجاً على ما وصفه بـ 'الحملة الوحشية التي يشنها نظام الرئيس بشار الأسد ضد معارضيه'. أو تصريحه الذي يقول: إن قيادة حماس غادرت سورية، لأنها ترفض 'الحل الأمني' و'تحترم إرادة الشعب'.(السفير27/2/2012) يعتقد أن حركة 'حماس' تعتنق الديمقراطية نهجاً وفكراً وممارسة، مع العلم أن حركة 'حماس' حتى عندما فازت بالانتخابات التشريعية في العام 2006 وحصلت على أغلبية المجلس التشريعي لم يروقها أن تلتزم بقواعد اللعبة السياسية وهي التي شكلت حكومة خاصة من حركة 'حماس' وعندما فشلت شكلت حكومة وحدة وطنية مع 'فتح' وفصائل منظمة التحرير وعادت وانقلبت على هذه الحكومة وعلى الوضع السياسي برمته، لأنها لا تقبل مبدأ الشراكة مع أحد، وسيطرت على قطاع غزة بقوة السلاح بعد أن قتلت جرحت المئات من أبناء الشعب الفلسطيني، وخاصة ممن كانوا ينتمون للأجهزة الأمنية ولكادر حركة 'فتح'، وألحقت ضرراً فادحاً بالقضية الوطنية الفلسطينية، وشكلت سابقة خطيرة في تاريخ الكفاح الفلسطيني عندما استخدمت السلاح بهذه الصورة الوحشية للسيطرة على السلطة والحلول مكان حركة 'فتح'.

وبررت ما وصفته بـ 'الحسم العسكري' بأنه لم يترك لها مجال للسلطة وأنها استبقت انقلابا عليها. طبعاً هذا الادعاء لا يصمد أمام حقائق الواقع. فـ 'حماس' لم تمارس قمعها واضطهادها فقط ضد الأجهزة الأمنية التي كان يمكن أن تمنع سيطرتها، بل مارسته ضد الجميع بدون استثناء، وهذا يشمل فصائل منظمة التحرير بما فيها تلك التي تحالفت مع 'حماس' في بعض المراحل، ومؤسسات المجتمع المدني، والمواطنين الذين لا ينتمون لـ 'حماس' ويعبرون عن أي موقف يختلف معها، بمن فيهم أولئك الذين خرجوا للتظاهر تأييداً للمصالحة الوطنية وضد الانقسام، ورفعوا شعاراتٍ ترددها 'حماس' نفسها طبعاً وباقي القوى.

ولا تزال حركة 'حماس' تقمع وتضطهد كل من يخالفها الرأي، بل كل من يكتب أي موقف ينتقدها أو ينتقد الوضع وكل من يجرؤ على الخروج للشارع للتعبير عن أي رأي أو موقف تجاه قضايا الشعب والوطن، وهي تتحمل المسؤولية الكاملة عما تعرضت له منظمات المجتمع المدني التي دوهمت مقراتها وسرقت في عتمة الليل والتي تعرض اعضائها للمساءلة والتنكيل، وربما تكون حادثة الاعتداء على الناشط الحقوقي محمود أبو رحمة، لأنه كتب مقالاً ينتقد فيه عدم توفير الحماية للمواطنين من الذين يرفعون شعارات المقاومة ويضرون بالمصلحة العامة، هي من الصور البارزة الأخيرة لهذا القمع مع العلم أن هذه الجريمة وقعت في بداية هذا العام وفي خضم ثورات 'الربيع العربي'.

في الواقع،'حماس' لم تتخذ موقفاً واضحاً من القمع الدموي الذي ينفذه النظام السوري منذ شهور طويلة، وهذا ينطبق على الفصائل الأخرى التي تتخذ من دمشق مقراً لها إلا مؤخراً، والسبب واضح تماماً ومرتبط بالأساس بموقف القيادة السورية من 'حماس ' بسبب إحجامها عن اتخاذ موقف مؤيد لسورية وتسيير ولو تظاهرة واحدة مؤيدة له بناء على الطلب السوري والإيراني، وأيضاً بعد تولد قناعة لدى حركة 'حماس' بأن أيام النظام السوري باتت معدودة، وقد تكون قطر هي التي أوضحت هذه المسألة لقيادة'حماس' ، وربما أيضاً يكون ذلك في إطار صفقة ما أبرمتها معها مقابل الدعم بالمال. فالموضوع لا يتعلق إطلاقاً بـ 'الحملة الوحشية' للنظام السوري المعروفة منذ اندلاع الأحداث في هذا البلد، ولا بـ 'الحل الأمني' لأن مثل هذا الحل اعتمدته 'حماس' ولا تزال في إطار ما تسمية 'الحسم العسكري '، بل يتعلق بالمصالح وحسابات الربح والخسارة وقراءة اتجاه تطور الأحداث والأمور.

حبذا لو كان دافع معارضة الأنظمة العربية التي انهارت أو في سبيلها إلى الانهيار هو دكتاتوريتها وقمعيتها وعدم اعتمادها الديمقراطية وتداول السلطة في الحكم وقمعها لشعوبها، وليس ركوب الموجة تحسباً من قادم الأيام ومن محاسبة الشعوب للذين يقفون مع قامعيها ، فالحقيقة هي مختلفة عن هذه المبررات المنطقية والمبدئية.

ومع كل التحليل السابق الواقع والمؤسف في نفس الوقت، يبقى الأمل والرجاء أن تستفيد جميع القوى العربية التي في السلطة أو في المعارضة من أهم دروس 'الربيع العربي' وهي أنه لا يبقى أحد في السلطة إلى مالا نهاية، فالكل سيأتيه الدور لإخلاء موقعه مهما طال الزمن، وحساب الشعوب لظالميها ومضطهديها عسير وشديد وقد لا يرحم من يصبح في موقع الذل والهوان بعد سقوط العروش.كما أن القوة الجبارة التي تتحصن خلفها أعتى الأنظمة لا تحميها من غضب الجماهير الثائرة. والآن بعد أن عرفت الجماهير العربية مدى قوتها بعد نزولها إلى الشارع وإسقاطها الأنظمة التي كانت تبدو إلى زمن قريب وكأنها أبدية، لا يمكنها أن تستسلم لقمع أو ظلم، ولعل الشعب السوري الآن يقدم نموذجاً قوياً ومشرفاً في التصدي لأبشع أنواع القمع الدموي، وهو يزداد إصراراً على إسقاط نظام الأسد القمعي.

صحيح أن نتائج الانتخابات في بعض الدول العربية جاءت مخالفة لتوجهات العامة للثورات العربية التي كانت تنشد الحرية والديمقراطية والإصلاح والعدالة الاجتماعية، ولكن حركة الشعوب لن تتوقف حتى تحصل على ما تريد، وطالما أصبح تداول السلطة أمراً مفروغاً منه، فالذي يفشل سيذهب ويأتي الآخرون مكانه إلى أن تتغير الأحوال ويحصل الناس على مبتغاهم.