هل اسرائيل قادرة على ضرب ايران؟

165316_345x230

ليس هناك من شك، ان الموضوع الايراني هو اهم ما يشغل الاسرائيليين خلال هذه المرحلة بعد ان تراجع الموضوع الفلسطيني و اصبح غير ذي صلة من حيث اهتمام الرأي العام لديهم. مؤتمر هرتسيليا الثاني عشر الذي عقُد اواخر الشهر الماضي ركز جُل اهتمامة على الموضوع الايراني.

مراكز الابحاث الهامة في اسرائيل تنشغل ايضا في اجراء الدراسات و الابحاث لتعالج هذا الموضوع من كافة جوانبة. سيناريوهات تتحدث عن تداعيات توجية ضربة عسكرية اسرائيلية للمشروع النووي الايراني، و اخرى تناقش اذا ما كانت اسرائيل قادرة لوحدها على تنفيذ ذلك و ما اذا كان من الحكمة ان تتصدر اسرائيل هذا الامر او تتركة للدول العظمى.

الملفت للنظر هو هذا الحجم من الجدل العلني الذي يدور في الاوساط الاسرائيلية و على كافة المستويات مما يخلق حالة من الضبابية في رسم صورة لحقيقية ما تفكر به اسرائيل او ما سُتقدم علية في المستقبل، و ربما هذا هو المطلوب، مما يجعل الاحتمالات مفتوحة على كل الاتجاهات.

اذا ما اخذنا على محمل الجد كل ما تتناقلة وسائل الاعلام الاسرائيلية من تصريحات تعكس مواقف القيادتين السياسية و العسكرية في اسرائيل، اضافة الى ما يعبر عنه الكثير من القيادات الاسرائيلية بشكل علني و على الهواء مباشرة، يُخيل لنا ان الجدل يدور حول مباراة هامة اخرى لكرة القدم بين الريال و برشلونة و ليس حول موضوع استراتيجي خطير قد يغير وجه المنطقة ان لم يكن له انعكاسات اقليمية و دولية تغير مسار التاريخ.

هذا الجدل العلني لا شك انه يحمل في طياته اهداف غامضة. التخوف الاسرائيلي من تعاظم قوة ايران لم يبداء في السنوات الاخيرة ، بل منذ سقوط الشاة و صعود الجمهورية الاسلامية. منذ ذلك الحين الاستراتيجية الاسرئيلية تُبنى على اساس ان ايران عدو يسعى الى ازالتها عن الوجود و ان بناء قدرتها العسكرية و اعداد جيشها و تطويرة يأخذ في الحسبان "العدو الايراني".

ومنذ ان بدأت ايران اول محاولاتها للحصول على االتكنلوجيا النووية و اسرائيل تجهز نفسها عسكريا لمواجهة هذا الخطر. لذلك و منذ منتصف التسعينات و جميع قائمة المشتريات العسكرية تأخذ بعين الاعتبار تطوير قدرات الجيش الاسرائيلي بحيث تستطيع ضرب اهداف بعيدة المدى، خاصة سلاح الجو و القذائف القادرة على اختراق التحصينات التحت ارضية.

هناك اكثر من تفسير لماذا يكثر الحديث العلني حول هذا الموضوع . اهم هذة التفسيرات:

اولا: الضغط على المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة لفرض مزيدا من العقوبات الاقتصادية الفعالة و المؤلمة ضد ايران.

ثانيا: قد يكون الهدف هو تهيئة الرأي العام الاسرائيلي لاحتمالية توجية ضربة عسكرية اسرائيلية لايران سيما ان تداعيتها المباشرة وفقا للتقديرات الاسرائيلية ان الالاف من الصواريخ ستقصف العمق الاسرائيلي و من اكثر من اتجاه.استعدادات الجبهة الداخلية الاسرائيلية و اجراء التمرينات التي تحاكي سقوط آلاف الصواريخ و تجهيز الملاجئ و المستشفيات وتوزيع النشرات التوجيهية للسكان في كيفية التعاطي مع مثل هكذا حالات يوحي ان هناك جدية و ان الموعد ليس ببعيد او الاحتمال ليس خيالي.

ثالثا: هناك من يعتقد ان المالغة في طرح هذا الموضوع هو جزء من الصراع بين مراكز قوى مختلفة في اسرائيل ، جزء اساسي منه يتعلق في الصراع على موازنة الجيش الاسرائيلي حيث هناك محاولات متعددة لتقليصها او على الاقل عدم زيادتها في ظل الحراك الاجتماعي في اسرائيل.

رابعا: هناك من يعتقد ان احد عوامل المبالغة في طرح هذا الموضوع بهذة الكثافة في وسائل الاعلام يتحمل مسؤوليتة وزير الدفاع ايهود باراك الذي يُعتبر من اكثر المتشدددين في هذة القضية، و ان بارك الذي اصبح مستقبلة السياسي معدوم اذا ما جرت انتخابات في اسرائيل يريد ان يقول ان هناك خطر وجودي على اسرائيل و ان هناك حاجة في هذه المرحلة الحساسة لانسان مثلة ان يبقى في منصبة لاطول فترة ممكنة.

خامسا: هناك من يعتقد ان رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو له مصلحة في تصعيد اللهجة مع ايران و اثارة كل هذا الجدل يهدف لاشغال الرأي العام الاسرائيلي في ظل الحراك الاجتماعي اولا، و غياب الاجندة السياسية ثانيا اضافة للفوائد الاخرى التي يمكن ان تجنيها اسرائيل من تجنيد الموقف الدولي ضد ايران.

ولكن، وبغض النظر عن الاهداف و الاسباب الحقيقة للسماح بهذا الموضوع الحساس ان يتم مناقشتة بشكل علني، و على افتراض ان اسرائيل حقا تريد ان تهاجم ايران، هناك الكثير من الاسئلة التي تحتاج الى اجابات و التي من خلالها يمكن تكوين صورة اكثر وضوحا لحقيقة النوايا الاسرائيلية و التوجهات المستقبلية. اهمها:

اولا: هل يمكن ان تقدم اسرائيل على هذة الخطوة في ظل الحديث عن معارضة في اوساط الجيش و الحكومة الاسرائيلية حتى في ظل اعطاء ضوء اخضر امريكي؟ المتفائلون و المتحمسون للهجوم على ايران و على رأسهم باراك و نائب رئيس الوزراء ووزير الشؤون الاستراتيجية بوجي يعلون يقولون انه عندما ضربت اسرائيل المفاعل النووي العراقي عام 1981 اتخذ مناحم بيغن ( رئيس الوزراء الاسرائيلي في ذلك الحين) هذا القرار في ظل معارضة وزير دفاعة عيزر وايزمن الذي استقال من منصبة على اثر ذلك، و زعيم المعارضة شمعون بيرس، و رئيس الموساد يتسحك حوفي و نائب رئيس الوزراء يغال يدين و رئيس شعبة الاستخبارات في الجيش الاسرائيلي( أمان) يهوعش ساغي و العديد من الوزراء و قيادات الجيش. على الرغم من ذلك هذة المعارضة الشديدة من قبل اهم القيادات العسكرية و السياسية في اسرائيل لم تمنع مناحم بيغن من اتخاذ القرار الذي فيما بعد اعتبروه في اسرائيل قرار صائب و استراتيجي و جميع من عارضوه كانوا على خطاء و بيغن كان على صواب.

ثانيا: النقطة الخلافية الاخرى هي ، هل اسرائيل حقا قادرة من الناحية العسكرية على تدمير المشروع النووي الايراني كما فعلت في العراق ؟ الكثير من الخبراء العسكريين يعتقدون ان الحالة الايرانية تختلف بشكل كبير جدا عما كانت علية الحالة العراقية. ايران اليوم اكثر قوة بكثير مما كانت علية العراق في حينة، المشروع النووي الايراني اكثر تحصينا و استفادت جيدا على ما يبدوا من التجربة العراقية. المسافة ابعد و التعقيدات ليس من السهولة التغلب عليها، و الاهم من ذلك ان المنشآت النووية الايرانية لم يتم فقط بناء جزء كبير منها تحت الارض بل تم توزيعها في اماكن متفرقة. في كل الاحوال و بعد ان تتغلب اسرائيل على كل العقبات السياسية و الفنية اكثر المتفائلين يعتقد ان اسرائيل فقط تستطيع ان تعيق البرنامج النووي الايراني و لكن لن تستطيع ايقافة بشكل نهائي.

ثالثا: هل من الحكمة ان تتصدر اسرائيل المعركة مع ايران بدل من ان تتركها للدول العظمى خاصة الولايات المتحدة؟ هناك من يعتقد ان من الخطاء ان تتصدر اسرائيل المعركة مع ايران، هذا امر اكبر منها، هكذا يعتقد شمعون بيرس على سبيل المثال، و ان المجتمع الدولي هو الذي يجب ان يقود المعركة و ذلك من خلال تشديد الخناق الاقتصادي و السياسي قبل اللجوء الى الخيارات الاخرى. وجهة النظر الاخرى الذي عبر عنها وزير الخارجية العنصري و المتطرف ليبرمان، تعتبر ان المعركة مع ايران هو شأن اسرائيلي و لا يمكن الاعتماد على دول العالم لمعالجة هذا الامر. المعارضون يعتبرون ان هذا خطاء تكتيكي كبير، حيث تصدر اسرائيل للمعركة قد اخرج بقية دول العالم من الحلبة، و اصبح كأن اسرائيل تدفع امريكا بأتجاه الحرب مع ايران.

رابعا: النقطة الخلافية الاخرى هي حول الخط الاحمر او نقطة اللاعودة. ليس هناك من شك ان الغالبية العظمى من القيادات الاسرائلية لا تقبل ان تُسلم بأيران نووية، الخلاف حول التكتيك و التوقيت و الاسلوب و الامكانيات. هناك خلاف واضح حول الوقت الذي تحتاجة ايران لامتلاك القنبلة النووية ، هل ستصل الى ذلك بعد عام او عامين؟ كلما كان التقدير ان ايران اصبحت قريبة كلما زاد الضغط بأتجاه الخيار العسكري على حساب الضغوط الاقتصادية والدبلوماسية، و كلما طال الوقت المحتمل لحصول ايران على السلاح النووي كلما تراجع الخيار العسكري.

خلاصة القول ان هناك اجماع في اسرائيل على عدم التسليم بأن تصبح ايران دولة نووية، او اي دولة اخرى من دول المنطقة للحفاظ على قوة الردع الاسرائيلية. من الصعب الاعتقاد ان اسرائيل قادرة على ان تُقدم على هذة الخطوة دون موافقة او تنسيق او حتى مشاركة الولايات المتحدة الامرييكة، و ان الجدل الاسرائيلي الداخلي العلني و على الرغم من كل الاستعدادات الميدانية و النفسية لا يعكس حقيقة الواقع ان هناك حرب اسرائيلية قريبة ضد ايران. حتى و ان توفرت الارادة الاسرائيلية في تجاوز العقبة الامريكية و الدولية هناك شكوك في قدرة اسرائيل على تنفيذ هذة المهمة لوحدها الا اذا قررت استخدام السلاح غير التقليدي بشكل موضعي.

szaida212@yahoo.com