ما لم يُحدّثكم عنه بيريس..

بقلم: شمعون شيفر

لا ترمي احتفالات أيام الميلاد الى محاسبة النفس علناً ولا يشذ شمعون بيريس عن هذه القاعدة أيضا. ومع كل ذلك وبعد ان اتفقنا على المبدأ، كان هناك شيء مقلق يثير عدم الارتياح في مشاهدة الفيلم عن حياة الرئيس وعمله، والذي بُث، الثلاثاء الماضي، في مباني الأمة في إطار الإخراج الضخم للاحتفال بيوم ميلاده التسعين. إن من لم يقرأ بعض الكتب في التاريخ الاسرائيلي كان سيحدث عنده انطباع انه يوجد لكل المشروع الضخم، مشروع النهضة وصوغ صورة الدولة، عنوان واحد موسوم باسم بيريس. وليس الأمر كذلك. ولا تقولوا إنني أتعلق بالصغائر: لقد اختار بيريس وأشياعه ان يعرضوا علينا تاريخ حياته، ولم يكتفوا بعرضه على انه الاسرائيلي الأكثر إجلالاً اليوم في العالم، بل أعادوا كتابة التاريخ.

لنبدأ بـ "حرب الاستقلال": ففي حين عرّض كل شاب وشابة في دار الاستيطان العبري وكل ناجٍ من المحرقة رسا على سواحل الدولة التي كانت قد وُلدت قريباً، ممن عرضوا حياتهم للخطر دفاعاً عنها، كان بيريس يشارك في جهد شراء وسائل قتالية، فلم يحارب بالفعل، ولم يُعرض حياته للخطر في ميدان القتال.

ولنتابع الى تشويه آخر صارخ في الفيلم: إن دافيد بن غوريون هو الذي أمر بالحصول على المعدات لإنشاء منشأة ذرية، وكان بيريس المنفذ فقط. لكنه كان يمكن بحسب الفيلم التوصل الى استنتاج ان بيريس هو والد القنبلة الذرية. إنه يستحق في الحقيقة كل ثناء على قدرته التنفيذية، لكنه لا يستطيع ان ينسب الى نفسه فضلا ليس له.

والى ذلك فان بيريس، الذي يريد أشياعه منا ان نؤمن بأنه سعى عشرات السنين لإحراز السلام بيننا وبين الفلسطينيين، هو أحد الموقعين المركزيين على إقامة مشروع الاستيطان في الضفة وهو اجراء يبدو انه قضى على إمكانية التوصل الى تصالح ما في المستقبل. واليكم شيئاً شخصياً. قبل التوقيع على اتفاقات أوسلو في أيلول 1993 بيوم التقيت أنا وزميلي ناحوم برنياع مع بيريس في بيته في القدس في مقابلة صحافية كان يفترض ان تنشر بعد ذلك ببضعة أيام. وسمع بيريس معنا من المذياع أن وزير الخارجية الأميركي، وورن كريستوفر، نجح في إقناع اسحق رابين، الذي رفض قبل ذلك السفر الى واشنطن للمشاركة في المراسم.

واستشاط بيريس غضبا، فقد رأى ذلك محاولة من رابين لسلبه المجد. وطُلب الينا ان نخرج من الغرفة وهاتف بيريس غيورا عيني، الذي كان اعتاد ان يتوسط بين رابين وبيريس في أوقات شجارات شخصية شديدة. "إما أنا وإما رابين وإلا فإنني سأبقى في البيت"، قال بيريس للوسيط الدهش. "هذا الرجل حطم حياتي. فهو يطاردني منذ 16 سنة"، قال صارخاً. ستسألون كيف عرفنا الحديث؟ حينما عدنا الى أسرة التحرير تبين لنا أننا نسينا إغلاق جهاز التسجيل.

أظهر بيريس بغضاً تاماً لرابين ولم يغير رابين أيضاً رأيه فيه ("متآمر لا يكل"). وكل ما عدا ذلك إعادة ترميم للتاريخ. في الفيلم الأخير صرخ النفاق والرياء من كل مقولة لبيريس في رئيس الوزراء الذي قُتل.

كان يحسن قبل أن يُتم 120 سنة، وهذا ما أتمناه له، أن يتجه بيريس الى الجواب عن بعض الأسئلة عن حياته التي بقيت بلا جواب عنها.

حرره: 
م.م