أفعال داني دانون

 

بقلم: سيما كدمون

لو كان ممكناً، لفرح نتنياهو بتحويل داني دانون إلى داني دين، الطفل الذي يرى ولا يرى من قصص طفولتنا. إلا أنه رغم أنف رئيس الحكومة فإن داني يرى ويرى: منذ تشكيل الحكومة تقريباً ليس هناك برنامج تلفزيوني أو إذاعي لم يشارك به دانون، الذي يلبس دائماً بتأنق، نشط ومبتسم. بل إن برنامج «وضع الأمة» الساخر لم يتنازل عن نشاطه.
والمشكلة هي أن ما كان بالوسع استقباله بتفهم من دانون، عضو الكنيست من الجناح اليميني لليكود، ليس ما هو متوقع من نائب وزير الدفاع دانون. وقد أمل نتنياهو أنه مثلما تعطي طفلاً إشكالياً دوراً مسؤولاً وبذلك تتخلص من الصداع الذي يسببه، هو ما سيحدث مع دانون. وأن الرجل سيختفي في دهاليز المؤسسة الأمنية، منشغلاً في محاولات أن يفهم أين يعيش، ويكف عن الضجة التي يثيرها لحكومة نتنياهو، مثل مولد كهرباء لا يكفّ عن الضجيج. ولكن ما تبين هو أن دانون ببساطة نقل نشاطه السياسي من حلبة إلى أخرى، وبدلاً من الغرق في منصبه يواصل إثارة الاضطرابات، التي صار لها الآن ضجيج أوسع. وتصريحاته الأخيرة بأن الليكود يعارض حل الدولتين، أجبرت نتنياهو على افتتاح جلسة الحكومة بتقديم توضيحات لا تناسب موقف دانون، وأطلقت الوزيرة ليفني تعبيراً جديداً في السياسة الداخلية وهو«الدانونية». 
ويمكن الإشارة إلى أن دانون يتلذذ بكل لحظة. فقد تبنى تعبير «الدانونية» بفرح وكأنه توأم التعبير الذي أطلقه نتنياهو عن «الكحلونية». وقال هذا الاسبوع متفاخراً إن هذا التعبير بات صفة لمن يعارض الدولة الفلسطينية.
وقد فوجئ دانون من العاصفة التي أثارتها تصريحاته. فهو لم يقل أي شيء جديد. وهو يقول: لم أخطط لأي خطوة. كانت مقابلة، قلت كلاماً أؤمن به، وعندما أقول إن ليس في الليكود دعم لهذه الخطوة، فأنا لا أخترع شيئاً. وأنا أقول ما أفكر به. وبفضل ذلك وصلت للمكان الخامس في الانتخابات التمهيدية. كما أن من لا يتفق معي يقدر واقع أنني دوماً أقول ما أفكر به
وأقر أن رئيس الحكومة لم يحب ذلك، وأنه أبلغه ذلك في حديث وصفه دانون بالجوهري، وكرره في لقاء «وزرائنا»وأيضاً في جلسة الحكومة. ولكن يبدو أن هذه الحقيقة لا تزعج نائب الوزير. طالما أن نتنياهو اهتم بالحديث معه على انفراد وأن الإعلام يواصل الانشغال به فذلك يعني أنه يفعل الصواب. في يوم الأحد، بعد المقابلة، التقى أحد قادة الليكود مع وزير الدفاع. وسأله: ماذا تنوون أن تفعلوا معه؟ يعلون حل المسألة بهزة كتف. تعني أنه ليس ضمن مسؤولياتي. بكلمات أخرى: دعوني منه.
وقد تبين أن وزارة الدفاع تتعامل مع نائب الوزير على أنه عطل. وفيما يصف دانون علاقاته بالوزير على أنها سوية تماماً، ويتحدث عن لقاءات منتظمة على انفراد وعن اتفاقات حول حدود المسؤوليات له، فإن آخرين يصفون الوضع بشكل معاكس تماماً. وهم يقولون إن دانون قدّم مطالب. طلب سكرتيراً عسكرياً وطلب الحضور في المداولات وتقييمات الموقف. ورفض يعلون بحزم. وخلافاً لنواب وزراء الدفاع السابقين، وهو منصب شغله تقليدياً جنرال سابق أو رئيس شاباك سابق فإن التزام دانون سياسي. وهذا تجلى في تصريحات دانون التي وصفها عنصر ليكودي، بأنها مزيج من الجهل وانعدام المسؤولية. وعدد هذا العنصر واحداً واحداً تصريحات دانون التي سببت ضرراً لأمن الدولة، من أحداث أمنية هرع دانون للحديث عنها وتحمل مسؤوليتها، إلى الشكل الذي هاجم به وزير المالية في موضوع ميزانية الدفاع، رغم التعليمات الواضحة من الوزير بعدم مهاجمة لبيد بسبب اتفاق جنتلماني بينهما.
ويقول هذا العنصر إن دانون، تقريباً، عظمة في الحلق، لا تبلع ولا تتقيأ. من جهة لا يمكن طرده بعد شهور في المنصب. من جهة أخرى، ينسى بأنه لا يمثل نفسه. في بلاد كل من فيها يعرف بأن دانون لا يقرر شيئاً. ولكن ماذا يقولون في الخارج عندما يتحدث نائب وزير الدفاع عن العملية السلمية؟ من يذكر حينها أن هذا الرجل كان يجول في الكنيست مع معمدانيين مهووسين؟ فالرجل مريض بالشهرة، كما يقول مسؤول ليكودي. وهو يبني نفسه للمنافسة في الليكود. إنه يرى الميكروفون فتقدح عيناه
ويرد دانون بأن هذا كلام فارغ. وبسبب الانتخابات الداخلية التي أنوي أن أفوز بها برئاسة المؤتمر، وربما أيضاً رئاسة مركز الليكود، فإن البعض قلق.
سألت هذا الأسبوع الوزيرة المسؤولة عن المفاوضات السياسية، عن رأيها في الظاهرة التي أسمتها هي بـ«الدانونية».قالت ليفني إنه ليس جديداً ما يجري في الليكود. ولكن ينبغي لهؤلاء الدانونيين أن يفهموا أنهم ليسوا من يقرّر سياسة الحكومة. والواقع أنه في مستهلّ جلسة الحكومة قال نتنياهو إن الحكومة ستحث على دولة فلسطينية منزوعة السلاح. ومن المهم جداً أن يكون واضحاً أن الأصوات التي تسمع في الليكود لا تشبه موقف الحكومة. وتجاه الخارج، يبدو الأمر رسمياً جداً: نائب وزير الدفاع. ولكن عندما يسألني أجانب، أوضح لهم أن في الائتلاف كل أنواع الأحزاب، من كل صنوف الناس، بينهم من تفتقر أيديولوجيتهم إلى أي تسوية مع الفلسطينيين، قسم منهم نشط وآخر أقل نشاطاً. لذلك، تقول ليفني، إن من المهم في كل نقطة زمن أن يكون صوتي وصوت حزبي و«هناك مستقبل» ايضاً مسموعاً.
وعلى ما يبدو كان هذا سبب لقائها يوم الأربعاء مع زعيم «هناك مستقبل»، يائير لبيد وأنها تتحادث بشكل مكثف مع الوزير يعقوب بيري ومع رئيس كتلة «هناك مستقبل» عوفر شيلح. ورغم تصريحات لبيد المتطرفة في مقابلته مع«نيويورك تايمز» لم تفقد ليفني الأمل. وكانت هناك نية لعقد اجتماع مشترك للكتلتين حول الشأن السياسي، وهو أمر لم ينجح حتى الآن. ويبدو أنه بعد تصريحات شيلح يوم الأربعاء في مؤتمر حول المبادرة العربية، أدان فيها الاحتلال ودعا إلى التسوية، هناك من يمكن الحديث معه.