أنماط التعليم المتبعة في اسرائيل .. فشل تاريخي

بقلم: د. تشيلو روزنبرغ
لا أريد أن أدخل في جدال حول جوهر امتحان البغروت في التاريخ. فمهما كانت الآراء حول صيغة الأسئلة او مدى صعوبتها واضح أن الخير لن يخرج من هذه المسألة. ما يقلق جدا هو ان عشرات آلاف التلاميذ والمعلمين يعبرون عن عدم ثقتهم بوزارة التعليم ويدعون بالتنكيل. لا توجد أي اهمية لما هي الحقيقة: فهم الواقع هو ما يقرر. كلما كان الاحساس بان وزارة التعليم تنكل بالتلاميذ يزداد ويتعاظم، فستقترب الكارثة.
اولا، يجدر بالجميع أن يقرأوا رد فعل وزارة التعليم في أعقاب الادعاءات التي اطلقت بعد امتحان البغروت في التاريخ. فقد قيل في البيان الرسمي للوزارة ما يلي: "قلق المعلمين والتلاميذ زائد، لأنه في مجال التاريخ عدد الاجابات الصحيحة كثير جدا".
من كتب هذا التعقيب لا يعرف عما يتحدث. الجملة المقتبسة، والتي كتبت ربما ليس من نية سيئة هي احتقار لا يوجد أكبر منه. ففي هذه الجملة تكمن نواة السياسة الفاسدة لوزارة التعليم. فماذا يعني أنه "في مجال التاريخ عدد الاجابات هو كثير جدا"؟ يجب استيعاب هذا الهراء كي نفهم المبالغة.
كتب التعليم – كلها دون استثناء – تعنى بذات الحقائق؛ في استكمالات المعلمين في كل ارجاء الدولة تعطى ذات التوجيهات وتدرس ذات مواد التعليم؛ وأسباب الهجرة الأولى هي ذات الأسباب في كل كتب التعليم؛ مزايا الحركات الوطنية لا تختلف ولا تتغير من يوم الى يوم. وبالتأكيد ليس في المدارس؛ وضع ايطاليا واليونان في عهد ازدهار القومية لم يتغير، على حد علمي، في السنة الأخيرة. إذن كيف يحتمل أن يكون هناك عدد كبير من الاجابات لكل سؤال؟ تلاميذ هذه المدرسة يعنون بالبحث التاريخي كي يكونوا قادرين على اكتشاف حقائق تاريخية لا تعرفها سوى وزارة التعليم؟ هل أحد ما اكتشف ان هرتسل كان أحد ما آخر مما وصف في كتب التعليم؟
تعقيب وزارة التعليم الذي اقتبس اعلاه مثير للحفيظة وفي نفس الوقت محقر للمهنة، لكتاب كتب التعليم وللمسؤولين عن المجال في الوزارة نفسها. رسالة وزارة التعليم هي انه لا يوجد اي معنى اذا كان جواب التلاميذ صحيحا أم لا: كل جواب مقبول، وهكذا تخرج وزارة التعليم ويدها هي العليا. التلاميذ والمعلمون سيستوعبون بان الخلطة هي جزء من سياسة وزارة التعليم. محقر حقا.
ان الادعاء بان صياغة الأسئلة كانت صعبة على التلاميذ صحيح جدا، غير أن السبب يكمن ليس بالذات فيما يحتج عليه المحتجون. السبب الحقيقي هو أن هذه هي المرة الأولى التي تصاغ فيها الأسئلة بلغة مهنية أكثر وانها تطلبت جهدا تفكيريا يتجاوز ما اعتاد عليه التلاميذ على مدى سنوات طويلة. عندما يغذى التلاميذ كل السنة بأسئلة واجوبة ليس فيها الا الصياغة المناسبة للصفين الرابع والخامس، ولا حاجة للتلاميذ الا الى قيء المادة عند الامتحان، مؤكد ان اسئلة التفكير المصاغة بـ "لغة عليا" تظهر لهم وكأنها من عالم آخر.
لقد ادعيت في الماضي وادعي مرة اخرى بان كل عملية التعليم في اسرائيل تتلخص في حفظ المادة عن ظهر قلب دون أن يفهموا عما يتحدثون، لأن الهدف النهائي هو كتابة أجوبة آلية في الوقت المناسب، كما تفعل الآلات المتحركة. في هذا الوضع لا يمكن أن نتوقع من التلاميذ ان يفهموا أسئلة التفكير المصوغة بمستوى أعلى. هذا هو الاخفاق الكبير لجهاز التعليم.
ان من يعرف برامج التعليم في التاريخ في الثانوية يعرف جيدا بأنها بعيدة جدا عن أن تكون مفهومة ومتماسكة. تركيز التعليم، أي اختصار المنهاج التعليمي الأصلي، تم بحيث انه لا توجد اي امكانية موضوعية في ان يفهم التلاميذ ما ينبع منه، ما هو الأساس وما هو التافه. فعند قطع فصل التعليم عرضا لن يفهم التلميذ ابدا التواصل التاريخي. وهذا اخفاق رهيب وفظيع آخر.
لننهي فنقول: امتحان البغروت في التاريخ كان غير عادل على نحو ظاهر، اذا ما أخذنا في الاعتبار أنماط التعليم المتبعة في اسرائيل.