المواصلات محور صدام مع المتدينين

الناصرة: طلبت البلدية الإسرائيلية في تل أبيب، الأسبوع الحالي، إلى وزارة المواصلات تشغيل حافلات النقل العام في أيام السبت، ما ينبئ بمرحلة جديدة من الصراع مع المتشددين اليهود الذين تحظر أنظمتهم العمل في السبت المقدس، إذ يعد القرار استئنافا لمعركة يخوضها العلمانيون اليهود، ضد قوانين وأنظمة الإكراه الديني، المستمرة بوتائر متفاوتة منذ العام 1964 عاما، وسط مؤشرات تصعيد متبادل بين الفريقين.

وفي إسرائيل منظومة قانونية تستند إلى "الشرائع اليهودية"، مثل قوانين الحلال والحرام في كل ما يتعلق بالأغذية والأطعمة، وتشغيل حوانيت بيعها والمطاعم وأكشاك الطعام وغيرها، إذ يحظر في بعض الأحياء كليا فتح حوانيت لا تلتزم بأوامر الحلال، وحيث يُسمح بفتح حوانيت ومطاعم كهذه، فإن هذه المحلات تكون قررت الاستغناء عن جمهور المتدينين أو المحافظين.

وينسحب الصراع كذلك على قوانين الزواج، إذ يحظر القانون الإسرائيلي إبرام عقود زواج مدنية خارج المؤسسات الدينية، اليهودية وغيرها، (إسلامية ومسيحية)، ولكن القانون يعترف بعقود زواج مدنية أبرمت في الخارج.

أما بالنسبة للمواصلات العامة، فإن حظرها أيام السبت قائم بموجب أنظمة أقرتها الشركات الحكومية التي تشغل الحافلات والقطارات والطائرات، منذ 64 عاما، ولا يوجد قانون عيني يحظر كليا تشغيلها، ولكن حظرها يُعتبر اتفاقا غير مكتوب بين الحكومة والتيارات الدينية، كذلك، فإن هذا الحظر يستند إلى قانون منع العمل أيام السبت، وهو يسري على اليهود في إسرائيل، مع استثناءات محدودة.

وقبل ثمانية أشهر، جرت محاولة في الكنيست من كتلة علمانية، لسن قانون يلزم شركات المواصلات العامة بتشغيل هذه المواصلات أيام السبت، إلا أن القانون سقط بمعارضة نواب من الائتلاف والمعارضة على حد سواء.

ومساء الاثنين، اتخذ المجلس البلدي في تل أبيب قرارا بالتوجه بطلب رسمي من وزارة المواصلات، لتشغيل الحافلات العامة داخل المدينة، أيام السبت، وتعرف بلدية تل أبيب مسبقا أن وزارة المواصلات، خاصة في ظل حكومة يمينية متشددة، تستند على المتدينين والأصوليين، سترفض هذا الطلب، ولهذا، فإن البلدية قررت، أنه في حال رفضت الوزارة الطلب، فإن البلدية ستشجع على إقامة شركة خاصة تابعة للبلدية لتشغيل حافلات أيام السبت، وحسب الديانة اليهودية، فإن يوم السبت يبدأ من مغيب شمس يوم الجمعة، إلى يوم شمس يوم السبت.

وفي الحال، أعلن رئيس لجنة الشؤون المالية في البرلمان الإسرائيلي (الكنيست)، الأصولي المتشدد موشيه غفني، أنه لن يسمح بتمرير هذا الطلب، واعتبره خرقا للوضع القائم بين "الدولة والمتدينين"، وحسب القانون فإن طلبا كهذا يجب أن يحصل على مصادقة اللجنة التي يرأسها.

ومن المتوقع أن الشرارة التي أطلقتها مجددا بلدية تل أبيب، ستحرك الشارع من جديد، وبشكل خاص في تل أبيب والمدن المتشابكة بها، فهذه المنطقة تعتبر معقل العلمانيين في إسرائيل، وكان بحث أكاديمي صدر عن جامعة حيفا قبل نحو عام، حذر من ازدياد لجوء الجمهور العلماني، خاصة الشبابي المتحرر كليا من القيود الدينية، إلى مدينة تل أبيب ومنطقتها، لتتحول لاحقا إلى "دولة تل أبيب" العلمانية، حسب تعبير البحث، تاركين بقية المناطق لجمهور الأصوليين والمتدينين، كما حذر البحث ذاته، من أن يصل جمهور العلمانيين بعد سنوات ليست كثيرة إلى استنتاج بعدم تحمل استمرار العيش في دولة تحكمها القوانين الدينية، ومن تل أبيب ستكون الطريق قصيرة نحو الهجرة إلى الخارج.

يدافع العلمانيون عن موقفهم في مسألة المواصلات العامة، بقولهم إنه لا توجد دولة في العالم، 25 % من أيام السنة لا تسير منها مواصلات عامة، بمعنى أيام سبت وأعياد، وأن هذه الأنظمة هي ضربة موجهة للشرائح الفقيرة، إذ حسب معطيات بحثية، يظهر أن 90 % من عائلات الشرائح الميسورة والوسطى لديها سيارة عائلية واحدة على الأقل، بينما هذه النسبة تهبط إلى 20 % لدى الشرائح الفقيرة، بمعنى أن الشرائح الفقيرة، هي المحرومة أساسا من حق التنقل والحركة أيام السبت.

وهذه ليست المعركة الوحيدة، ففي الشهرين الأخيرين ظهرت معركتان أخريان بين جمهوري العلمانيين والمتدينين، الأولى تتعلق بفرض فصل في حافلات المواصلات العامة بين مقاعد الرجال والنساء، في الحافلات التي تسير في أحياء أو مستوطنات وبلدات فيها أغلبية متدينة، والمعركة الثانية، حول مظاهر إقصاء النساء من الحياة العامة في أحياء المتدينين، وأيضا في داخل جيش الاحتلال، من خلال فتاوى دينية يهودية متزمتة.

وكل هذه المعارك، التي ازدادت وتيرتها في الأشهر الأخيرة، تبدد أوهام إسرائيليين، بأن المعركة على الإكراه الديني قد تلاشت واختفت، وهي من المفترض أن تتصاعد بوتيرة أعلى مستقبلا، خاصة على ضوء استنتاجات البحث الجامعي السابق ذكره، بأنه حتى العام 2030 سيشكل المتدينون والأصوليون اليهود 51 % من السكان في إسرائيل، بمعنى أكثر من 66 % من اليهود في إسرائيل.

الغد