يمين واحد

بقلم: زئيف شتيرنهل
ينبغي ألا ننكر جميل يئير لبيد لاسهامه في السياسة الاسرائيلية. اجل في اوقات نادرة فقط يبرأ سياسي بهذه السرعة من شعاراته الانتخابية الفارغة ويعترف بالحقيقة علنا. والحقيقة هي ان للواقع الاسرائيلي وجهين: لأنه يوجد من جهة في البلاد استغلال قاسٍ للعمال، ويجري فيها في واقع الامر صراع طبقي غير متكافئ تسحق فيه الطبقة الوسطى العليا التي تسيطر على الاقتصاد، على الدوام، الضعفاء.
إن الصراع غير متكافئ لأن الضعفاء ليسوا منظمين وليست لهم اتحادات مهنية ولا يستطيعون ان يهددوا مراكز القوة. لو أنهم كانوا جميعا عمال شركة الكهرباء لما وقفوا عاجزين ازاء الطبقة الوسطى العليا المنظمة تنظيما رائعا في شبكة متلاحمة يعتمد فيها المسيطرون على الاقتصاد والسياسة بعضهم على بعض. ويحصل الضحايا مقابل ذلك على الحماسة القومية وعلى مبدأ التفوق اليهودي ومعاداة العرب والحريديين، وعلى الشعور بالعيش دائما في وضع نكون فيه على شفا حرب، ما يوجب الوحدة ورص الصفوف. والخوف مع هذا التصور هو ضرورة منهجية وتتم رعايته على الدوام وبتصميم.
أما الوجه الثاني الذي منحنا فيه لبيد برهان المختبر هو حقيقة أن ال في الأصل، وهم أنصار الاقتصاد الليبرالي الجديد فهو نفسه، ونفتالي بينيت وبنيامين نتنياهو، الذين يحملون على راحاتهم المستوطنات ويكفرون بقدرتنا على التوصل الى تسوية عادلة مع الفلسطينيين. ويرمي التشريع القومي في الكنيست، الذي يوشك ان يبرز مرة اخرى في برنامج العمل العام بمساعدة حاملي متاع وزير المالية، يرمي الى اخضاع المفهوم السياسي القانوني للجنسية الاسرائيلية لهوية اليهودية العرقية مهما يكن معناها.
يتحمل المسؤولية عن الوضع الحالي في جملة ما يتحمل شرك اللاسياسية الذي سقط فيه الاحتجاج الاجتماعي في السنتين الاخيرتين، ونشأت من هنا غوغائية ‘يوجد مستقبل’ والعداء الذي أحدثه حزب العمل نحو اليسار. لكنه قد تكون حانت الآن آخر الامر ساعة الصحوة وان تفهم الأمهات الشابات اللاتي يدفعن عجلاتهن في المظاهرات في آخر الاسابيع أنه لا يوجد كائن اسمه ‘يمين سياسي ويسار اجتماعي’: ينبغي ان يُمسك الثور من قرنيه لأن ال واليسار ايضا واحد والذي يرفض ان يُعرف نفسه بأنه يساري، وأن ينظم كل العمال ليواجهوا الفقر والاستغلال وليواجهوا الاحتلال تكون نهايته اليمين.
ليس ‘اليسار’ تصنيفا سياسيا فقط، بل هو تصنيف اخلاقي قبل كل شيء والاخلاق لا يمكن تقسيمها. ومن وجهة النظر هذه ينبغي ان ننظر لا في سيطرة الاغنياء على الفقراء فقط، بل في سيطرة الاسرائيليين على الفلسطينيين ايضا. فالحق العام في الحرية والمساواة لا يمكن ان يُقسم ايضا: فالاسرائيليون لا يستطيعون ان يطلبوا العدل لأنفسهم وينفوه عن الآخرين. إن الدولة الفلسطينية ستنشأ على نفس الأساس الذي قامت عليه دولة اسرائيل، وهو الحق في الحرية والحكم الذاتي. ولهذا لا ينبع رفض اليسار للمستوطنات من اسباب اقتصادية فقط ولا يرمي الى احراز السلام فقط بل ينبع ايضا من احترام حق الفلسطينيين في المساواة والعدل. وهذا هو الخط الفاصل الحقيقي بين اليسار واليمين ولا تستطيع أية بهلوانية سياسية تغييره.
هآرتس