الخط الأحمر للمخادع

بقلم: بلاوري اليتسور
سوريا عاصفة ونازفة والعالم حولها يتلعثم ويفقد الحيلة. الرئيس اوباما أعلن بان استخدام السلاح الكيميائي سيكون خطا أحمر من ناحية الولايات المتحدة. ولكن هذا الخط الاحمر يذكرنا بالنكتة القديمة للدجال الذي هدد صاحب الكشك بانه اذا لم يعطه الطعام فانه سيفعل ما فعله أبوه، أي أنه سيذهب لينام جائعا. الخط الاحمر لاوباما هو في واقع الحال اللحظة التي لا يكون فيها لامريكا مفر سوى الاعتراف ان ليس لديها اي فكرة عما ينبغي لها ان تفعله. وعليه عندما تسرب من مصادر استخبارية اسرائيلية بانه على ما يبدو جرى استخدام لمثل هذا السلاح، وقعت حادثة دبلوماسية أحرجت الولايات المتحدة.
الحقيقة هي أن اسرائيل ايضا لا تعرف حقا ما ينبغي لها أن تفعله، حين يتبين أنه مع نهاية نظام الاسد قد تحين ايضا نهاية أربعين سنة من الهدوء على حدودنا مع سورية. ولعله ينبغي أن نهنىء أنفسنا أننا وصلنا الى ، واننا نعرف منذ الان ان ليس لدينا اي فكرة ما الذي ينبغي لنا أن نفعله. حسن أن هذا لم يحصل في وقت ابكر، عندما كانت لا تزال هناك أوهام وكأنه توجد هناك مواجهة ما بين الاخيار والاشرار، وكأن العالم الحر لا ينتظر سوى اللحظة التي تكون له مدعاة كافية للتدخل من اجل الاخيار وحسم المعركة المضرجة بالدماء.
لا يزال هناك في اوروبا عدة قوى، ولا سيما في فرنسا، تواصل تصديق القصة الساذجة التي رويت في وسائل الاعلام العالمية عن مقاتلي الحرية الذين يثورون ضد حكم الطغيان والفساد للاسد. ولكن الرئيس الامريكي لم يعد هناك، وحتى اسرائيل (ربما باستثناء رئيسها) كفت عن الحلم في اليوم الصافي والفرح الذي يسقط فيه الاسد.
في واقع الامر تعرفنا على شيئين في هذا الخط الاحمر: أولا، درس دولي. لا يوجد في سورية أخيار وأشرار. كلا الطرفين هناك يذبحان ابناء شعبهما دون رحمة، وأحد لا يعرف ما هو افضل للعالم الحر ولمواطني سورية ، انتصار الثوار وسقوط الاسد، أم انتصار الاسد وقمع الثورة. ومهما يكن من أمر فان الطرف المنتصر سيفتك بفظاعة بخصومه ولن يرحم النساء، الشيوخ والاطفال، والمأساة لن تتوقف بالتالي بسرعة.
ثانيا، درس اسرائيلي. فجأة نحن قلقون ونخشى مما سيحصل على حدودنا الشمالية اذا ما سقط الاسد. مما يعني أن ليس صحيحا انه يوجد وضعان في العالم، إما السلام أو الحرب. توجد على الاقل أربعة أوضاع: الحرب، اللا حرب، السلام، الصداقة. الاول لم يعد موجودا منذ الان على حدودنا منذ أربعين سنة. الرابع لا يزال بعيدا كبعد المسيح. اما الثاني والثالث فلا يختلفان الواحد عن الاخر. نظام الاسد الشرير والمعادي رفض الحديث معنا وبالتأكيد لم يظهر اي مؤشر على استعداد للسلام، ولكنه حافظ على الهدوء في حدود اسرائيل على نحو أفضل مما فعل النظامان في مصر والاردن، واللذان وقعنا معهما على معاهدتي سلام. هذا لا يعني أنه ينبغي الكف عن السعي الى السلام، بل ان علينا أن نعرف بان اتفاق السلام ليس اكثر بكثي من اتفاق وقف النار والنظر بموجب ذلك في السعر الذي يستحق أن ندفعه لقاءه.