حامد:هل سوف يحكم مشعل رام الله من عمّان؟
تُلقي زيارة خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إلى الأردن برفقة ولي عهد قطر، بظلالها على حيثيات المشهد السياسي الفلسطيني المرتقب، وعلى مستقبل علاقة الطرفين. فبالأمس وصلت حدة العلاقة بين عمان وحماس إلى أوجها حين أغلقت مكاتب الحركة في عمان عام 1999، ومنعها من ممارسة نشاطها انطلاقا من الأراضي الأردنية، وأُبعد قادتها إلى قطر ثم إلى سوريا. واشتدت هذه الحدة برفض وساطات الإخوان المسلمين، وجهات عربية أخرى لتليين موقفها من حماس، ورفضت مرارا السماح لمشعل دخول الأراضي الأردنية.
من ناحيتها، لايخفى ان حماس قد سعت مرارا لطرق أبواب التقارب مع النظام الأردني، وبالأخص بعد فوزها بغالبية مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006. فحاولت الحركة ان تستثمر ذلك كمسوغ شرعي يدفع النظام الأردني ليتعامل معها كممثل منتخب أكثر من كونها حركة فلسطينية.
تأتي الزيارة لتتوج جهود الوساطة القطرية لدى النظام الأردني، الذي التزم سياسة رافضة للحديث مع حماس لعقد كامل من الزمن. إلا أن الأشهر القليلة الماضية شهدت تحولا في موقف عمّان تجاه حركة حماس، اتسم بإظهار اللين تجاه الحركة لقبول الأردن عقد لقاء يجمع الملك الأردني وخالد مشعل بحضور ولي عهد قطر.
يُثير هذا التطور نقاشا واسعا حول أبعاده، ومآلاته، وتأثيراته على شكل العلاقة المرتقبة بين الطرفين. ففهم تداعياته على القضية الفلسطينية بشكل خاص، يعد مجديا في ظل وضعه في سياق الترتيبات الجديدة التي تحدث في المنطقة العربية، وربط توقيت الزيارة بمعطيات الربيع العربي ونتائجه، آخذين بالاعتبار قراءة المشهد السياسي الفلسطيني من نقطة أوسلو إلى الثورات العربية وما بعدها. يحاول هذا التحليل قراءة مؤدى التقارب الأردني الحمساوي، ووضعه في سياق ما يجري في الوطن العربي، وانسداد آفاق السلام مع إسرائيل، وصعود الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم.
ثورات عربية، وإغراءات قطرية تُليِّن الموقف الأردني.
تدرك عمّان الشواهد التي تركتها الثورات العربية، والتي فاقت توقعات أشد المتفائلين بان تنتهي بإزاحة أنظمة جثمت عقودا من الزمن في تونس ومصر وليبيا واليمن. كما وتدرك دور قطر المتعاظم في المنطقة، وتأثيرها الفعال والمباشر، سياسيا وماليا وإعلاميا، في زعزعة الأوضاع في سوريا، ودورها المؤثر في قيادة الإخوان المسلمين في العالم. استدركت عمّان مخاطر اتساع دائرة الثورات العربية، فرأت أن من شأن تحسن علاقتها بحماس ان تحظى من خلاله بدعم دول الخليج لها، سواء سياسيا أو ماديا، وبذلك تشكل حماس ورقة رابحة بيدها.
في خضم ذلك، من الواضح ان ولي عهد قطر جاء إلى الأردن وفي جعبته كثير من الإغراءات لها للذهاب بعيدا في علاقتها بحماس؛ ومنها عدم إثارة الوضع الداخلي الأردني، وفتح المجال أمام العمالة الأردنية للعمل في إعمار ليبيا ضمن الشركات القطرية، إلى جانب اتفاقات اقتصادية تتيح للأردن الاستفادة من الغاز والنفط القطري وتوريده لها بأسعار مميزة، عوضا عن تقديم دعم مالي لها، وتفعيل دورها في مجلس التعاون الخليجي.
قطر وحماس: ملء الفراغ الإيراني
واضح ان قطر سعت من خلال هذه المبادرة الى رمي طوق النجاة لحماس من الحرج الذي تقع فيه نظير موقفها من الثورة في سوريا، والذي على إثره يمكن ان تتأثر علاقة الحركة بإيران وحزب الله، ما سوف ينعكس سلبا على مصادر حماس المالية. اذا ما صدقت التوقعات، فإن قطر يبدو أنها أخذت على عاتقها إخراج حماس من تحت عباءة النظامين السوري والإيراني، وإعطائها دور اكبر في الترتيبات الجديدة التي تحصل في المنطقة. إلى جانب إخراجها من حرجها سياسيا وماديا، وسد الفراغ الذي يمكن ان يتركه تراجع علاقتها مع إيران. فالإمساك بيد النظام الأردني، والقيادة السياسية في حماس، والتقريب بينهما، واحد من المؤشرات القوية على ذلك، وهو ما يفسر توقيت الزيارة.
تعاظم دور الإخوان المسلمين في المنطقة
يبدو جليا أن التغيرات التي تحدث في العالم العربي تميل الى خلق فضاءات إستراتيجية جديدة، أكثر قرباً من أيديولوجية حركة حماس، وأكثر دعماً لبرنامجها. فصعود تيارات إسلامية، تتمتع بقوة كبيرة في الشارع العربي وبعلاقة قوية بحماس، يخلق لها عمقا جديدا لها طالما عرقل غيابه أداء الحركة، وحاول الحد من نفوذها. فتنامي الاعتراف الدولي بالاخوان المسلمين كقوة سياسية مؤثرة في المنطقة، يمكن ان يوفر هامشا مريحا لحماس للخروج من العزلة السياسية التي فرضتها عليها أنظمة عربية وغربية.
حماس والاستعدادات للمرحلة القادمة: قراءة فاحصة للمستقبل
تعتقد حماس أن البيئة الجديدة في المنطقة، وعنوانها صعود الإخوان المسلمين وإمساكهم بزمام الحكم، بيئة مناسبة لها للعب دور مؤثر في قيادة المركبة الفلسطينية. فالنوايا المستقبلية لحركة حماس، يجسدها حراك سياسي داخل الحركة يتجه نحو تهيئة نفسها لاستلام زمام القيادة في منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية. فهي تسعى إلى استثمار تصاعد نفوذ الإخوان المسلمين، والتقارب الأمريكي معهم لإعادة رسم المشهد السياسي الفلسطيني.
يبدو واضحا ان الحركة تعمد إلى عدم تكرار تجربة فتح في السلطة، والتزاوج بين مهامها ومهام الحركة. فهي ترغب بعدم تحميل حماس أخطاء الحكم، وان تخلق حالة فصل ذهني –ما أمكن- بين الكيانين. على هذا السياق، يبدو ان الحركة تسير إلى تسمية رئيس جديد لمكتبها السياسي، وان يصار إلى ترشيح خالد مشعل لرئاسة منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية.
التكتيك السياسي الجديد الذي تنتهجه الحركة بمواءمة سياساتها ضمن قراءة متمحصة للواقع، يبعث بمؤشرات كثيرة على محاولاتها لضبط سلوكها السياسي، ونيتها الاتجاه نحو الإسلام السياسي أكثر من كونها حركة مقاومة، والتراجع عن مشروع المقاومة المسلحة على حساب التقدم نحو المقاومة السياسية والمقاومة الشعبية. لكن ذلك لن ينفي ان تبقى تتزين بأنها حركة مقاومة ثابتة على مواقفها.
وفي تجسيد لهذه التكتيكات، نلحظ بوضوح الليونة في مواقفها سواء في إعلان قبولها بدولة فلسطينية على حدود عام 1967، أو التصريح العلني لاستبدال (مؤقت) للمقاومة المسلحة بأخرى شعبية وسلمية، أو التقارب مع الجهاد الإسلامي، والذي يبدو أقرب إلى تفسير رغبة الطرفين في التأسيس لقيادة الإسلام السياسي في الأراضي الفلسطينية.
الأردن وحماس والمرحلة القادمة
إن دخول حماس منظمة التحرير الفلسطينية، يضع الأردن في حرج في كيفية التعامل مع المنظمة، كونها المثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ولأن ذلك يطرح عليها تساؤلا هل سترفض التعامل معها في حال فوز حماس بالانتخابات وقيادتها لمنظمة التحرير؟
فإلى جانب ما تسعى قطر إلى تحقيقه من التقارب الأردني الحمساوي، إلا انه يمكن اعتبار هذه الزيارة على أنها حِراك استباقي لما يمكن ان تؤول إليه نتائج الانتخابات الفلسطينية المتوقع عقدها في أيار 2012، ونتائج إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية. إذ يشكل ذلك محاولة قطرية لتذليل العقبات اللوجستية أمام حماس في حالة فوزها بالانتخابات أو تسلمها قيادة منظمة التحرير، لتسيير شؤون المنظمة والسلطة في حالة تسلمها زمام القيادة. فلم لا يسير الترتيب على نحو يتيح لحماس إدارة الشأن الفلسطيني من عمّان، وان تدار أمور المنظمة من هناك نظرا للظروف الموضوعية التي تترتب على عدم قدرة قيادة حماس دخول الضفة الغربية.
المجتمع الدولي وحماس: خصام أم وئام؟
بالنسبة للمجتمع الدولي، وخصوصا الولايات المتحدة كراع للسلام، يسري الاعتقاد أن التقارب الجديد بين المجتمع الدولي والتيارات الاسلامية في المنطقة، ونشوء مصالح مشتركة بينهما، يمكن أن يُشكّل عنصرا مساعدا امام المجتمع الدولي يدفعه لتوظيف هذه العلاقة، وحض التيارات الإسلامية للتأثير على سياسات حركة حماس تجاه الصراع الفلسطيني الاسرائيلي. فدخول العلاقة بينهما هذا الحيز، سوف يطرح بشكل جدي قضية تقبّل حماس كحزب سياسي فلسطيني. وقد يسهم بشكل فعال في تليين الغرب لشروطه لقبول حماس، وهي الشروط ذاتها التي وضعتها اللجنة الرباعية على الحركة حين فازت في انتخابات المجلس التشريعي عام 2006 وشكلت الحكومة فيما بعد.
كما إن إيمان المجتمع الدولي بفرص التوصل إلى اتفاق تسوية بين طرفي الصراع قد تراجعت. وان الزحف خلف طرفي صراع استنزفا بعضها بعضاً إلى أبعد الحدود، يعد مضيعة للوقت. فقد أصابه اليأس من انتظار تحول في مواقف الطرفين، ولاسيما ان كلا الجانبين اتجه نحو خطوات أحادية. زيادة على ذلك، فان صعوبة انجاز اتفاق سلمي، ولّد قناعة لدى المجتمع الدولي ان الحلقة تدور منذ انتهاء المرحلة الانتقالية من تراجع إلى آخر، وان الاستمرار في نفس السياسة سوف يؤدي إلى نتيجة مماثلة.
في المسار ذاته، فإن الاعتقاد بان التيار المعتدل في السلطة الفلسطينية والذي يمثله الرئيس محمود عباس، قادر على تسهيل عملية الوصول إلى اتفاق سياسي، آخذ بالتراجع، نظرا لكثير من الشواهد والتي أبرزها، خطواته نحو طرح موضوع الدولة الفلسطينية على الأمم المتحدة والجمعية العمومية، ومحاولة الانضمام الى الهيئات الدولية كاليونسكو، وإصرار القيادة الفلسطينية على تجميد الاستيطان مقابل العودة للمفاوضات.
ما تطرحه حماس من هدنة قد يلقى قبولا لدى الأوساط الغربية، ولاسيما إذا ما أدت الهدنة إلى تسكين للصراع، وإزاحة عبئه وتأثيراته على المصالح الغربية في المنطقة. فقد يكون ذلك بديلا مثاليا للولايات المتحدة التي عجزت عن طرح مبادرة للسلم، وتلين الموقف الإسرائيلي. هذا المنال في الوقت الراهن قد يكون مرغوبا فيه، ويمكن ان يشجعه المجتمع الدولي والدول العربية. فهذه الأطراف تدرك مدى صعوبة انجاز اتفاق تسوية، وتتعاظم رغبتها بالتخلص من الصراع أو التخفيف من تداعياته على مصالحها في المنطقة، للتفرغ لملفات أخرى يراد انجازها كالملفين؛ السوري والإيراني.
هل سوف تستسيغ إسرائيل هذا التقارب؟
إسرائيل لا تتجه نحو التسوية النهائية للصراع. وليس في منهجها الذي اتبعته الحكومات المتعاقبة توجه نحو هذه التسوية، ولاسيما التي تستند إلى قرارات الشرعية الدولية. ولطالما اصطدمت عملية السلام بتعنت إسرائيلي أدى إلى فشل التوصل إلى صيغة نهائية لحل الصراع. فهي ليست مستعدة لدفع فاتورة عملية السلام، وتدرك أن طبيعة الصراع مختلفة، وأنها محكومة لمشروع صهيوني استيطاني توسعي.
فالوقت الراهن ترغب إسرائيل ان تبقى ضمن دائرة اللا سلم واللا حرب. لا سلم بحيث لا تضطر إلى دفع فاتورة عملية السلام وما يترتب عليها من التزامات وضغط دولي. ولا حرب بحيث تأمن جانب حركات المقاومة الفلسطينية، وبالتالي تحقيق استقرار الى حد ما. حماس من اقرب المنظمات الفلسطينية توجها نحو هذا النهج. فهي لا ترغب في ان تتخلى عن برنامج المقاومة، ولا ان تصل إلى ما وصلت إليه فتح في مشوار التسوية السياسية. الحالة المثلى لها ان تصل إلى هدنة مع إسرائيل بوساطة عربية ودولية، تشتري من خلالها وقتا لتثبيت أركان سلطتها السياسية.
قراءة هذا الواقع من نواحيه المختلفة تجعلنا نستنتج ان الفترة القادمة سوف تشهد انعكاس نتائج الثورات العربية، وصعود التيارات الإسلامية إلى الحكم، على القضية الفلسطينية، وعلى سياسات الأطراف ذات العلاقة، وأن تغيرات قد تحدث على ترتيب اللاعبين وأولوياتهم. فإذا ما أدت نتائج الانتخابات الفلسطينية المرتقبة، وتداعياتها على تركيبة منظمة التحرير، الى صعود حماس إلى السلم الأول في القيادة، فإنه على ما يبدو ان التعامل مع هذه النتائج لن يأخذ المنحى الذي أخذه في عام 2006، وسوف تتجه الأطراف الداعمة لها إلى تهيئة الظروف المناسبة لدفعها نحو لعب دور ذو تأثير. وتحاجج هذه الأطراف بأن نهج الإقصاء لم يأت أكله كما كان معوّل عليه، فلا حماس خضعت لشروط الرباعية، ولا إقصاؤها عن المشهد السياسي الفلسطيني قد نجح، وعلى العكس من ذلك فقد أمسكت الحركة بزمام كثير من الأمور المفصلية وبالأخص سيطرتها عسكريا على قطاع غزة، وتحكمها بوتيرة المصالحة الفلسطينية.
لكن جدير بالقول ان حماس تخطئ إذا ما بقيت رهينة حسابات خارجية وفئوية ضيقة، وعليها ان تحتكم إلى المصالح الوطنية العليا، وان تدرك ان المشاركة السياسية ووجود قيادة وطنية موحدة، خيار مثالي لخروج القضية الفلسطينية من مآزقها. وان القضية الفلسطينية لا تحتمل سياسات اقصائية قد تؤذي ما تبقى منها.