البطل:سروال السراويل!

182823_10150090280381819_103552476818_6360053_6720450_n

مات إيف سان لوران، ملك الأزياء الراقية (هوت كوتور) وفي نفسه حسرة: ابتكروا سراويل الجينز ولم يبتكرها هو. إنها ملكة السراويل الشبابية بخاصة، وللرجال والنساء.

على سيرة النسوان والسروال، قامت الأديبة الفرنسية، ذات الاسم الذكوري، جورج ساند، بثورة تمرد كانت فاضحة في حينها، فهي أول من ارتدى السروال في الحياة العامة، وفي بلاد الأزياء الراقية.. وربما قصت شعرها قصيراً "ألا-غارسون" مثل الصبيان، وفوق ذلك اتخذت أدبياً اسماً ذكورياً.

الفضل لهوليوود وأميركا في جلوس سروال الجينز على عرش السراويل، فقد كان اسمه الشعبي خارج أميركا هو "الكاوبوي" أي "رعاة البقر" وصبيانه، وبخاصة أنه كان سروال فتح الغرب الأميركي. أما اسمه فهو من مصانع النسيج في مدينة جنوا الايطالية.

يحكون عن أسباب انهيار الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية في الحرب الباردة، ويغفلون عن دور سروال الجينز هذا (وأيضاً ورق تواليت المرحاض، واكياس البلاستيك).. التي انتظرت زمن البيروسترويكا!

قبل الانهيار، كانت الشبيبة الشيوعية تفتش في مقالب القمامة، أمام الفنادق الفاخرة، عن سراويل الجينز المهترئة التي يرميها السياح. وكانت أثمن هدية يقدمها شباب العالم الثالث لفتيات بلدان المنظومة الاشتراكية.. هي هذه السراويل، زقاء اللون بخاصة.

يحكون عن "العولمة" خيراً أو شراً، منذ رفع العالم الرأسمالي خطاب: حرية تنقل الأفراد والبضائع والأفكار.. والسراويل أيضاً، وبخاصة سروال الجينز، وكانت قماشته الخشنة هي الأنسب لخيام رعاة البقر، قبل أن تتطور الى خيام حديثة، خفيفة، ويمكن طيها وحملها على الظهر مثلاً.

غيرت سراويل الجينز تفاصيل في السراويل الرسمية، فتم حذف ثنية السروال التي تلامس كعب القدم مثلاً، لأنها "معشعشة" للتراب والغبار، وكذلك اشتقت بعض السراويل من اللون الأزرق الغلاب ألواناً شتى، أغلبها يحتمل الوسخ والقذارة.. والغسل في الغسالات الآلية، وبخاصة منها سراويل قماشة المخمل (فيلفت).

إذا كان سروال الجينز ثورة تمرد على السراويل، فهو يجتاز ثورة داخلية أيضاً، مثل الترقيع والتقطيب والتمزيق المتعمد عند الركبة.. والآن هذا "التبقيع" بلون فاتح، وأيضاً هذه "الشرشرة" في نهاية السروال.

هذا الهجوم الاعتدائي الفاحش على السروال الكلاسيكي، الرسمي، لم يخل من هجوم بائس مضاد، مثل الجيوب الخلفية الكلاسيكية لبعض سراويل الجينز، وكذلك الجيوب الأمامية المستقيمة، وحذف الجيب الصغيرة اليمنى التي توضع بها فكات العملات المعدنية.

يبقى الجينز، الأصلي والكلاسيكي من الماركات الأشهر، متمسكاً بالأزرار المعدنية لفتحة السروال، لكن دون أزرار في الجيوب الخلفية.

التأثير المتبادل، بين السراويل الرسمية وتلك العملية، هو ذلك السحاب المعدني في فتحة السروال، الذي يغني عن الأزرار المعدنية، وبخاصة في سراويل المخمل شقيقة ملك السراويل الجينز.

يقولون ان السروال الرسمي، من قماشة جيدة، يحتاج مائة غسلة، أو تنظيف على الناشف في دكاكين المصابغ الآلية، لكن سروال الجينز الأصلي يحتمل أكثر من مائة غسلة إذا كانت قماشته من العلامات التجارية الشهيرة.. الى أن يزهق منه لابسه.

أعرف أن السترة (الجاكيت) الرجالي خضع الى ثورة تصميم هو الآخر، وكذلك البيجامات والقمصان، لكن عموماً بقيت سترات النساء تختلف، ربما بوضع الأزرار بشكل معكوس في السترات والقمصان وربما، أيضاً، سراويل الجينز النسوية الضيقة عموماً، على عكس سراويل الرجال الفضفاضة، لأسباب طبية، فقد تضعف خصوبته كما يقال.

تفهمون، إذاً، من هذا العرض كيف راج الجينز ملكاً على السراويل، ولماذا شعر ملك الأزياء الراقية بالحسرة لأنه لم يخترع سروالاً يطيح بالجينز عن عرشه.

تبقى هناك نكتة فرنسية لا تقول مثل الشوام "تضرب بها الكسم" بل: يلزمك خياط يعدل قوامك الأعوج.. أو في حالة السخرية الشديد: خياطك انكليزي.. أي تقليدي.

حسن البطل