حسن البطل:توافق على خطين!

182823_10150090280381819_103552476818_6360053_6720450_n

في رسالته الأكثر شهرة عن "الصداقة والصديقة" قال العلامة أبو حيان التوحيدي ما معناه: اجتمعوا مختلفين، واختلفوا متفقين. يصح قول هذا إزاء اجتماعين، سياسي في الدوحة، ومالي في رام الله، اسفرا عن حل توافقي، غير ناجز بعد، للأزمة السياسية، الوطنية، وللأزمة المالية-الاجتماعية.

قطبا إعلان وفاق الدوحة هما قطبا الأزمة السياسية الوطنية، التي نشبت بعد سنة من الانتخابات البرلمانية الثانية. كانوا يقولون، بشيء من المبالغة: "فتح" رقم مفرد لا يقسم على اثنين، ولكنها انقسمت على نفسها، عشية تلك الانتخابات.. وخسرت، غير أن الديمقراطية الفلسطينية كسبت "تداول السلطة" التي انقسمت بالانقلاب سلطتين مدة خمس سنوات، لم ينقطع خلالها طرق باب الحوار والحلول التوافقية.

قطبا الخلاف في الأزمة المالية-الاجتماعية هما النقابات والقطاع الخاص، وخلال شهر من انفجار أزمة الميزانية العامة، عقدت الجلسة الأولى للحوار المالي، سعياً الى حلول توافقية أيضاً.

لعلها مصادفة أو غير مصادفة، أن يتلازم اعتماد الحل التوافقي للازمة السياسية-الوطنية، بدءاً من وفاق على اتفاق لتشكيل حكومة جديدة، تشرف على انتخابات عامة، مع بدء الحوار المالي حول توزيع الاعباء في ميزانية التقشف والترشيد، وبالذات سلم الضرائب الجديد التصاعدي، وعلاقته بارتفاع الأسعار، وعلاقة هذا بالحد الأدنى للأجور.

لن ينتهي هذا الشهر دون حكومة جديدة، لا مفاجأة فيها سوى في شخص رئيسها السياسي، صاحب السلطات والأعباء المتعددة، لكن لم يعودوا يتحدثون عن حكومة فنية وتكنوقراط ترشحهم الفصائل، بل عن حكومة من شخصيات مستقلة. أيضاً ستصدر الميزانية العامة في موعدها منتصف الشهر الجاري.

في التوافق السياسي-الوطني، سيتم تحريك موعد الانتخابات القطرية، من أيار الى موعد لاحق، لأن لجنة الانتخابات المركزية تريد المهلة القانونية لتحديث سجل الناخبين في قطاع غزة خاصة (حوالي 220 ألف ناخب جديد).

أما في التوافق المالي-الاجتماعي، فسيتم تحريك مطالب النقابات الخاصة بالمطلب العادل لتحديد حد أدنى للأجور، أي تطبيق قانون العمل، الى موعد لاحق.

ربما تكون عبارة: اجتمعوا مختلفين، واختلفوا متفقين فضفاضة ومحشوة بالنوايا الحسنة في توافقية الحل السياسي-الوطني، وربما هو أكثر من النوايا الحسنة في توافقية الحل المالي-الاجتماعي، حيث طالبت النقابات والقطاع الخاص بتعديلات ضرائبية لصالح قطاعيهما.

بينما لا علاقة مباشرة لجهات خارجية (اسرائيل، أوروبا، أميركا) بالتوافقية المالية، فإن التوافقية السياسية خلاف ذلك، حيث رحب الاتحاد الأوروبي بحرارة بالمبدأ، مشترطاً التزام الحكومة ببرنامج الرئيس اللاعنفي، بينما ترى أميركا أنها "مسألة داخلية" وإن كانت تخضع لالتزام "حماس" سياسة "اللاعنف".. بينما ادعت اسرائيل ان رئيس السلطة غادر "طريق السلام" التفاوضي.

لن تتضح صورة الحل السياسي التوافقي إلا بعد انتخابات عامة فلسطينية، يبدو أنها ستجري في الخريف، ربما قريباً من الانتخابات الرئاسية الأميركية، لكن من هنا حتى الانتخابات الفلسطينية، ستكون السلطة الفلسطينية في موضع أفضل لتحريك مسألة عضوية دولة فلسطين في الأمم المتحدة ومنظماتها ووكالاتها المختصة.

عامة الشعب أكثر شكاً بالتوافق على الحل السياسي-الوطني، من التوافق على الحل المالي-الاجتماعي، لأن السوابق ترجح حالة الشك، وبخاصة أن "حماس" تنتظر كيف ستكون أمور عالم عربي جديد، بعد صعود الإسلاميين.

في كل حال، يشكل إعلان التوافق السياسي نوعاً من مفارقة فلسطينية عن مجريات الأمور في بلاد الربيع العربي، حيث يسيطر التناحر على العلاقة بين النظام والشعب، قبل الاحتكام الى الانتخابات، بينما في فلسطين شجر خلاف وتناحر بعد انتخابات دراماتيكية النتائج، تلاها انقلاب وانقسام، يحاولون الآن طي صفحته بالعودة الى الانتخابات.

يقولون: خير الأمور الوسط. لعل وعسى أن تعود فلسطين، التي كانت البداية الحقيقية للربيع العربي، الى ضرب نموذجها لهذا الربيع.