حكومةٌ برئاسة "أبو مازن"حلٌّ أم تخريجة؟

من دون شك، إن الاتفاق على أن يكون الرئيس "أبو مازن" هو رئيس حكومة الوفاق الوطني الانتقالية خطوة مفاجئة مع أنها متداولة سابقًا.

الأسئلة التي تطرحها مثل هذه الحكومة هي: ما هو برنامجها؟ وما هي مهماتها؟ وهل ستُقبل دوليًّا وإسرائيليًا؟ وإذا كانت مهمتها هي التحضير لإجراء الانتخابات وإعادة إعمار غزه فقط، فهل تكفي ثلاثة أشهر لإنجاز انتخابات حرة ونزيهة!. فالانتخابات لايمكن أن تكون حلًا ولا حرة ونزيهة ما لم يسبقها الاتفاق على برنامج سياسي يجسّد القواسم المشتركة، وإذا لم يسبقها توحيد الأجهزة الأمنية، حتى تشرف على الانتخابات أجهزة وطنية موحدة، لا أجهزة أمنية تابعة لـ"حماس" في قطاع غزة، وأجهزة أمنية تابعة لـ"فتح" في الضفة الغربية.

وإذا كان الجواب أن برنامج الحكومة هو برنامج الرئيس، كما هو متوقع، وأنه لهذا السبب تم التوافق على ترأسه للحكومة لتجاوز عقدة الاعتراف الأميركي والإسرائيلي والدولي بها. فهذا الجواب يطرح سؤالًا آخر، إذا كانت "حماس" توافق على حكومة يرأسها الرئيس وتعتمد برنامجه، أي تلتزم شروط اللجنة الرباعية الدوليّة، فلماذا لا توافق في هذه الحالة على رئيس حكومة آخر؟ لأنه لا يعقل أن تتركز كل هذه السلطات والصلاحيات في يد شخص واحد، حتى لوكان الأمر لفترة قصيرة، خصوصًا أن الرئيس "أبو مازن" كان من المبادرين إلى استحداث منصب رئيس الحكومة لإنهاء احتكار الرئيس الراحل "أبو عمار" لرئاسة المنظمة والسلطة والحكومة، وأن رئاسة "أبو مازن" للحكومة تشكل انقلابًا على اتفاق المصالحة الذي وقعته جميع الفصائل والشخصيات الوطنية الذي نصّ على تشكيل حكومة كفاءات وطنية من المستقلين، وعلى إجراء انتخابات متزامنة للمجلسين الوطني والتشريعي والانتخابات الرئاسية.

وإذا كانت "حماس" لا توافق على المشاركة في تشكيل حكومة تلتزم بشروط الرباعية، كما كانت طوال السنوات الماضية، فماذا سيكون ردها اذا طالبت إسرائيل والولايات المتحدة والمجتمع الدوليّ أن تعلن الحكومة برئاسة الرئيس تأكيد التزامها بشروط الرباعية؟ وكيف سيعطي المجلس التشريعي الذي تتمتع "حماس" فيه بالأغلبية الثقة لحكومة تلتزم بهذه الشروط التي من المفترض أن "حماس" تعارضها ومعها عدد كبير من القوى ومعظم أفراد الشعب الفلسطيني؟. وإذا كان الاتفاق غير المعلن يشمل برنامجًا سياسيًّا يحفظ الحقوق والأهداف الوطنية، ويستند إلى القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة بعيدًا عن شروط الرباعية، فهذا يعني خطوة في منتهى الأهمية؛ تؤسس لإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني على أسس جديدة، فهذا يعني أن على الفلسطينيين الاستعداد لمجابهة مع إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، وربما جهات أوروبية ودولية، ما يعني ضرورة الاستعداد لهذا الاحتمال وليس الارتداد عما تم الاتفاق عليه إذا أُشْهِر سلاح المقاطعة والحصار في وجه الحكومة الجديدة.

إذا كان الجواب أن برنامج الحكومة هو برنامج الرئيس ولكن بشكل مستتر، فهذا يعني أنها ستسير في نفس الطريق الذي سرنا فيه منذ عشرين عامًا، ووصلنا إلى ما نحن فيه من تعميق الاحتلال وتوسيع الاستيطان والجدار والحصار وتقطيع الأوصال.

فما معنى أن تلتزم حكومة الوفاق الوطني بشروط اللجنة الرباعية وبالإتفاقيات والالتزامات المترتبة على اتفاق أوسلو وملحقاته في وقت قامت فيه الحكومات المتلاحقة في إسرائيل بتجاوز هذا الاتفاق كليًا، وتقوم فيه الحكومة الإسرائيلية الحالية باستكمال ما بدأته سابقاتها، ولكن بشكل منهجي أكثر تطرفًا وعنصرية وعدوانية.

فالمطلوب حكومة وفاق وطني تستجيب أولا لمصالح الشعب وأهدافه وحقوقه الوطنية، وأن تكون جزءًا من إستراتيجية جديدة قادرة على إنقاذ القضية الفلسطينية من الهاوية التي وصلت إليها.

وإذا كان الجواب أن مهمة الحكومة هي إجراء الانتخابات بأسرع وقت، فهذا يعني أن الانتخابات ستجري في ظل الانقسام الذي طال المؤسسات السياسية والتشريعية والأمنية والمدنية والقضائية، أي ستُجرى في ظل الانقسام الذي طالها، في ظل وجود سلطتين متنازعتين؛ ما يعني أنها ستكون جزءًا من إدارة الانقسام والاقتسام. فالانتخابات حتى تكون حرة ونزيهة، يجب أن تكون بعد إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية على أساس برنامج سياسي مشترك، وبعد الاتفاق على ركائز المصلحة الوطنية العليا. فالانتخابات من دون توافق وطني ستكون إذكاءً لروح التنافس الحاد بين صفوف شعب تحت الاحتلال.

ويجب الاتفاق على شبكة أمان تستهدف حماية حرية ونزاهة الانتخابات وتعطيل إجراءات الاحتلال قبل الانتخابات وأثناءها وبعدها، وضمان حرية الترشح والتنقل والدعاية الانتخابية، وإقرار قانون يقضي بتمكين القائمة الانتخابية في المجلس التشريعي بتوكيل شخص ليسد مسد النائب المعتقل.

والاتفاق ضروري على أن تكون الحكومة بعد الانتخابات حكومة وحدة وطنية بغض النظر عن النتائج. فنتائج الانتخابات مهما تكن لا يجب أن تمنع تشكيل حكومة وحدة وإنما تحدد رئيس الحكومة وأعضائها على أساس نسبة كل كتلة.

لا بد أن يسبق تشكيل الحكومة اتفاق واضح من أين سنبدأ وإلى أين سننتهي. فتوحيد المؤسسات المنقسمة، خصوصًا الأجهزة الأمنية، والشروع في حل المشاكل المعقدة، مثل: عودة الموظفين المستنكفين، وإعادة المفصولين، وفتح المؤسسات المغلقة، وتوفير الحقوق والحريات العامة، وعدم الاعتداء عليها.

ونظرًا لصعوبة توحيد الأجهزة الأمنية يمكن تحقيق هذه المهمة على مراحل وبشكل متدرج، بحيث يمكن توحيد جهاز الشرطة والدفاع المدني أولًا خلال ثلاثة إلى أربعة أشهر، ثم يتبع ذلك توحيد الأمن الداخلي والوقائي، وهكذا دواليك، وما ينطبق على الأجهزة الأمنية يمكن أن ينطبق على كل المؤسسات، فالتدرج هو البديل عن تأجيل كل شيء إلى الأبد.ولعل تعقيد المسألة والحاجة الى وقت هو الذي يقف وراء أن اتفاق المصالحة الموقع في أيار الماضي مدته عام كامل. فدون توحيد المؤسسات وتوفير الأجواء المناسبة لا يمكن إجراء انتخابات حرة ونزيهة.

وحتى تستقيم الأمور، كان يجب الالتزام بتطبيق اتفاق المصالحة بشكل متزامن ومتوازٍ بحيث يتم تشكيل الحكومة في نفس الوقت الذي يتم فيه إعادة تشكيل منظمة التحرير والتحضير لإجراء انتخابات متزامنة للمجلس الوطني والتشريعية والرئاسية، وليس تجزئة الاتفاق والانهماك في القضايا الإجرائية وإهمال القضايا الأساسية، وصولًا إلى إعادة تشكيل المجلس الوطني بدلًا من إجراء الانتخابات كما جاء في اتفاق الدوحة خلافًا لما نص عليه اتفاق القاهرة.

لقد رأينا إلى أين وصل طريق المفاوضات الثنائية إلى تفكيك القضية الفلسطينية إلى قضايا، وفصلها عن بعضها البعض، وعن الأرض والشعب، وإلى تجزئة كل قضية إلى قضايا صغيرة، ما أدخلنا في متاهة عرفنا كيف وصلنا إليها ولا نعرف، حتى الآن، كيف نخرج منها؟ لذا أي اتفاق وطني يجب أن ينطلق من توفر الإرادة لشق طريق جديد وألا يكون إعادة إنتاج للفشل.

إن إعادة تشكيل المنظمة وإصلاحها بشكل جذري لا تتم كما جرى بتشكيل لجنة المنظمة التي دخلت في دهاليز البحث في قانون الانتخابات للمجلس الوطني وفي أسس تفعيل وإصلاح المنظمة، ويسميها البعض، زورًا وبهتانًا، "الإطار القيادي المؤقت للمنظمة". لو كانت كذلك لأعطيت صلاحيات باتخاذ قرارات غير قابلة للتعطيل كما ينص اتفاق المصالحة.

إن انتخابات المجلس الوطني في حال توفر الإرادة اللازمة يمكن أن تشمل سبع ملايين فلسطيني على الأقل من العدد الإجمالي للفلسطينيين، فهي يمكن أن تشمل فلسطيني الضفة وغزة والتجمعات الفلسطينية في الدول العربية، باستثناء الأردن الذي يمكن أن تشمل المليون وربع المليون فلسطيني المقيمين فيه غير الحاصلين على الجنسية الأردنية. ويمكن أيضًا أن تشمل الفلسطينيين في أوروبا والأميركيتين وبقية دول العالم.

من المتوقع طبعًا أن إحياء المنظمة وتوحيد الشعب الفلسطيني مهمة ستثير موجه معارضة عارمة من إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية وأطراف من المجتمع الدولي، وربما من أطراف عربية أخرى، ولكن دون إنجاز هذه المهمة لا يمكن أن يحقق الشعب الفلسطيني حتى الحد الأدنى من حقوقه الوطنية.

يمكن الحرص على تقليل الغضب الدولي على هذه الخطوة من خلال الاستمرار في الاعتراف بالقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ضمن البرنامج السياسي للحكومة والمنظمة، والاستعداد لاحترام الاتفاقيّات المبرمة ما بين إسرائيل والمنظمة إذا احترمت إسرائيل هذه الاتفاقيّات، أي احترام وتنفيذ متبادل. أما نظرية الالتزام من جانب واحد لإحراج إسرائيل ووضعها أمام مسؤولياتها، ودفع المجتمع الدولي للضغط عليها، فقد جُرِبت وحصدت فشلًا ذريعًا.

خير نهاية لهذا المقال إيراد عبارة قرأتها مكتوبة بخط جميل في ميدان التحرير تعريف آينشتاين للاختلال العقلي: "هو فعل الشيء نفسه مرتين بالأسلوب والخطوات نفسهما مع انتظار نتائج مختلفة!".

Hanimasri267@hotmail.com