قرن وخمسة أعوام في حديث أكبر معمّري السموع

زمن برس

السموع - الخليل: الحج عطية عبد ربه الدغامين هو أكبر معمر في السموع قضاء الخليل، من مواليد 1902 ولدية 5 أولاد وبنت واحدة، ويبلغ عدد أفراد الأسرة التي تنحدر من الحج حوالي 60 فرداً مقسمين بين ذكور وإناث، ولعل أول ما يفرضه الحديث إلى من عاش أكثر من قرن كامل هو التساؤل عن الأيام الخوالي، وما الذي تبدّل؟

يجيب الحاج بصوته الضعيف:" قديماً كنا نسكن في المغر القريبة، ونهتم بالأرض، وحياتنا بسيطة،كنا قريبين من بعضنا، ونحافظ على أنفسنا،و المغر كانت مليئة بسكان البلدة وجميع العائلات كانت تسكن بالقرب من بعضها، وكنا نربي المواشي ولا نحتاج لحراستها، وفي المساء كنا نتركها داخل المغر وعلى (الصهاوي)".

ويلحظ المستمع لحديث الحاج عطية افتقاده للأمان والطمأنينة التي كانت تسم الحياة قديما؛ ويقول:" علاقتنا كانت جميلة قائمة على أساس المحبة والاحترام وصلة القرابة، والناس يحبون بعضهم على الخير والشر، وكان عدد السكان قليل والبركة كبيرة، وما كان في غرباء وما كان في سرقات" .

لا يستطيع المعمّر أبو عطية رؤية الحاضر إلا بمرآة الماضي الأجمل كما رآه، فقد كانت حياتهم كما يقول مختلفة تماما عما نحياه اليوم، " قديما كما نوكل مما تنتجه الأغنام من زبدة ولبن رايب وغيرها، فالاغنام زمان كانت قوية توكل من الأرض نفسها، أما اليوم فتموت الأغنام بسرعة من طبيعة الأكل اللي بتوكلو"، ويواصل الحديث عن الصحة والطعام مستذكرا:" وكانت الأمراض قليلة، كنا نتداوى بالأعشاب والزيت والميرمية وغيرها، وما كان في طب ومستشفيات وسيارات إسعاف، كانت المرة تحمل الميّ على رأسها من مسافات بعيدة وما تتعب أو تمرض".

عاصر الحاج عطية العهد العثماني والانتداب البريطاني ومن ثم الاحتلال الإسرائيلي وصولا لكل السلطات التي مرّت على هذه الأرض في القرن الماضي، ويتذكر من العهد العثماني أواخره وتحديدا الإعلان عن تنفيذ حكم الإعدام بحق شخص في البلدة، إلا أن دخول القوات الإنجليزية للمناطق القريبة حال دون تنفيذ الحكم، ومما يتذكره أيضا التجاء أهالي البلدة والقرى القريبة إلى المغارات والخلاء احتماء من الحرب الدائرة، وما تبعها من عودة إلى الديار فور انتهائها.

عن النكبة والنكسة والاحتلال الإسرائيلي يروي المعمر أبو عطية: "قبل بداية الحرب كنا نسكن في المغارات القريبة من عتير والدويسات، وقاموا الإسرائيليين بطردنا منها، ومنعونا من فلاحة الأرض، فسكنّا بمنطقة السموع القريبة منها، وصارت حياتنا مثل السجن، والحياة كانت قاسية علينا عند بداية الحرب وهناك ناس هاجروا من البلد، وهناك الكثير من عائلات السموع في الأردن من الرواشده والحوامدة وابوعواد وغيرهم".

أهم ما يثير في نفس الحاج الحسرة هو ما يراه من المصائب والدجل والكره؛ "فاليوم الأخ ما بعرف أخوه، والقتل انتشر، والفرح صار محصور بالعيلة لحالها، بعد ما كان زمان الكل يفرح ويحزن لأهله وجيرانه، واليوم صرت ما بعرف إلا قليل من أهل البلد، كل شي اتغيّر،الله يرحم أيام زمان كنا نسافر على بلاد الحجاز على الجمال ونحتاج لأسابيع حتى نوصل مكة، وكنا ننزل على الخليل على رجلينا مشي، وكانت زيارة المسجد الأقصى بتحتاج لثلاث أيام للراحة".

لا يملّ أبو عطية من شكر الله والحديث الطويل عن نعمة الصحة ووجوب شكر الله على أفضاله، ويجد نفسه دوما في مقام الناصح لكل من هم حوله، لأنه بالضرورة أكبرهم.