السلطة تصارع طواحين الهواء
بعد يومين فقط تنقضي المهلة التي كانت قد حددتها 'الرباعية الدولية'، من أجل البحث في إعادة إطلاق المفاوضات، وكان من شأنها عمليا أن ' تجمد ' مواصلة السعي الفلسطيني لمتابعة مشروع القرار الخاص بطلب عضوية فلسطين في الأمم المتحدة والمقدم إلى مجلس الأمن الدولي، تنقضي المهلة دون أن تسفر عن أي تقدم يذكر، رغم المحاولة الأردنية الأخيرة، والتي جرت خلال هذا الشهر، وأسفرت عن ثلاث جولات استكشافية، بين ممثلي الجانبين : الفلسطيني والإسرائيلي، وبحضور وزير الخارجية الأردني وممثلي الرباعي الدولي، في عمان .
كالعادة، استبقت القيادة الفلسطينية، وعلى أعلى مستوى لها، اللحظة الفارقة بجولة شملت عدة دول، للبحث في الخطوة التالية، وكالعادة أيضا سيدعو الرئيس محمود عباس القيادة الفلسطينية ( مركزية فتح وتنفيذية المنظمة )، ومن ثم يذهب للجامعة العربية، حتى يحدد الخطوة التالية، التي هي باختصار، معاودة تقديم الطلب رسميا _ لمجلس الأمن الدولي .
كل هذه الإجراءات ستأخذ وقتاً، فما الداعي لاستنفاذ الوقت، والحال كما يقول المثل الشعبي ' لو فيها زيت لضوت '، وبالنظر إلى أن 'طول بال ' الفلسطينيين قد جاء في محاولة لتجاوز عقبة الرفض الأوروبي للطلب الفلسطيني، كما أظهر تصويت اللجنة الفنية التابعة لمجلس الأمن، قبل ثلاثة أشهر من الآن، فإنه حتى اللحظة، لا يوجد هناك ما يدل على إشارات أوروبية بتغيير هذا الموقف، وأول سؤال يطرح هنا، بهذا الخصوص هو، هل سيعلن الرباعي الدولي بعد غد، وفي يوم 26 من الجاري، موقفا، ولو حتى بإصدار بيان، كما جرت العادة، بعد كل لقاء له علاقة بشأن الصراع الفلسطيني / الإسرائيلي، أم أن الأمر لن يتطلب هذه المرة حتى إعلان الموقف، كما كان عليه الحال في السابق ؟ !
أهم إشارة ظهرت حتى الآن عن الأوروبيين، جاءت على شكل بيان صدر عن الحكومة الألمانية، تضمن دعوة كل من ديفيد كمرون، رئيس وزراء بريطانيا، وأنغيلا ميركل المستشارة الألمانية، الحكومة الإسرائيلية إلى اتخاذ إجراءات ملموسة، تحول دون فشل المحادثات بين الطرفين، بما يعني ' تحميلها ' إسرائيل مسؤولية الاستعصاء التفاوضي، لكن هل هذا يعني أنهما مستعدان للذهاب بعيدا، الجواب هو : ليس بالضرورة، فالأوروبيون يعتبرون مثل هذه التصريحات بمثابة الضغط على إسرائيل، بهدف دفعها للتقدم إلى الأمام في المسار التفاوضي، وإسرائيل تعرف حقيقة المدى الذي يمكن أن يصل إليه الأوروبيون وحتى الأميركيون ولذا فإن التصريحات والبيانات لا تدفع نتنياهو إلى تغيير موقفه جوهريا، ولذا يبقى الحال على حاله، إلى ما شاء الله .
الدلالات الهامة برأينا، تجيء من خلال مستوى الاهتمام، بما يحيط بالملف الفلسطيني / الإسرائيلي، فبالكاد أحد يهتم بهذا الأمر، ليس فقط أن اهتمام السياسة الدولية، وكذلك الإعلام الإقليمي، يتركز على ما يجري في سورية واليمن وحتى في مصر، حيث إن المصادفة وحدها جعلت من موعد انتهاء مهلة الرباعي الدولي بمنح فرصة للمفاوضات وقبل معاودة الحرب الدبلوماسية في الأمم المتحدة، مع الذكرى السنوية الأولى لثورة يناير المصرية، كانت مصادفة حتى في غير صالح الجانب الفلسطيني، وليس هناك ما يشير إلى أن الأمر سيختلف بعد شهر مثلا .
أكثر من ذلك فإن إسرائيل التي تخطط لضرب إيران، تخبئ في جعبتها ' خيارات ' مزلزلة، ذلك أن من شأن توجيه ضربة إلى إيران مثلا، في مدى الأيام أو الأسابيع، وحتى الأشهر القليلة القادمة، أن يحرف وجهة الاهتمام الدولي والإقليمي 180 درجة، بحيث أن أحدا لن يكون حتى معنيا بمحاولة تبرير موقف الدول _ الأوروبية خاصة إذا ما اتخذت الموقف ذاته برفض مشروع الطلب الفلسطيني الخاص بعضوية الأمم المتحدة .
وما زال قبل ذلك في جعبة الإسرائيليين الكثير مما يمكنهم من خلط الأوراق، وقطع الطريق على ذهاب فعال وناجز للفلسطينيين إلى الأمم المتحدة، فعلى عكس ما كان متوقعا، من إجراءات حسن نية، من مثل إطلاق سراح أسرى فلسطينيين أو تسليم مناطق تخضع للمسؤولية الأمنية الإسرائيلية، إلى مناطق ولاية السلطة الكاملة، أو إزالة بعض الحواجز وما إلى ذلك، قامت إسرائيل بخطوة مفاجئة، بهدف توتير الأجواء الداخلية الفلسطينية، ووضع عقبات إضافية على طريق المصالحة، باعتقال د. عبد العزيز الدويك، رئيس المجلس التشريعي المنتهية ولايته، وهكذا، يمكن القول بأن ' تلويح' الرئيس أبو مازن بورقة المصالحة، والتقدم البطيء على طريق المصالحة، لم يكن كافيا لدفع الإسرائيليين لتغيير جوهري في مواقفهم، تماما، كما هو حال البيانات الدولية تجاه الاستيطان أو الموقف من المفاوضات .
ما يزيد الطين بلة، هو ما أعلن عن نية رئيس حركة حماس خالد مشعل عدم ترشحه مجددا لرئاسة المكتب السياسي للحركة، فإذا كان لهذا الأمر علاقة بملف المصالحة، فإن ذلك يعني إشارة للتراجع حتى عما تم من ' تقدم ' سابق على هذا الصعيد، ذلك أن كلا من الرئيس أبو مازن والسيد مشعل، يعتبران عنوان ما تم من توافق واتفاق .
الحلقة المفقودة ما زالت هي هي، وتتمثل، وكما اشرنا مرارا، وفي أكثر من مناسبة، إلى ' برود ' الواقع الميداني بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وما لم يشتعل الشارع الفلسطيني ويحيل الأرض تحت أقدام الاحتلال والمستوطنين إلى جحيم، فإن شيئا مهما لن يحدث، وستظل قيادة السلطة تحارب طواحين الهواء، وستظل من عاصمة لأخرى، تجري وراء الوهم والسراب، ذلك أن الصراعات السياسية بين الدول والشعوب، لا تحسم بالشطارة التفاوضية أو الفهلوة السياسية، بل بحقائق على الواقع، وربما حتى عبر حروب طاحنة، لذا قالوا، إن السياسة اقتصاد مكثف، وإن الحروب إنما هي لجوء لكسر حدة الاستعصاء السياسي .