ماذا لو تم إعتقال الرئيس؟!
هذا السؤال الإفتراضى يأتى في أعقاب إعتقال رئيس المجلس للتشريعى الفلسطيني الدكتور عبد العزيز دويك ، وهو ليس الإعتقال ألأول له . والإعتقال هذه المرة قد تكون له علاقة بتحريك ملف المصالحة الفلسطينية ، وزيادة الدعوات لدعوة المجلس التشريعى للإنعقاد والقيام بدوره في المصالحة . ولا شك أن ألإعتقال إن كان له من دلالة سياسية هنا أن إسرائيل لا تعترف بوجود السلطة الفلسطينية بما فيها سلطة الرئاسة نفسها . وبعبارة أخرى ترى إسرائيل أن السلطة الفلسطينية محكومة بالمعايير الأمنية التي تضعها إسرائيل على حركتها وحركة كل المسؤوليين الفلسطينيين ، وعلى رأسهم الرئيس. وهو ما إعترف به الرئيس محمود عباس اكثر من مرة أنه لا يخرج ولا يدخل الأراضى الفلسطينية إلا بإذن مسبق من إسرائيل. وهذا الأمر ليس ببعيد عن ما نشر أخيرا من أن التصريح الممنوح للرئيس لا يزيد عن شهرين . ومعنى ذلك أن إسرائيل تستطيح سحب التصريح الممنوح للرئيس وغيره ، ومن ثم يصبح غير قادر على التحرك حتى في داخل ألأراضي الفلسطينية التي تمارس عليها السلطة الفلسطينية صلاحياتها الممنوحة لها من قبل إسرائيل.وهو ما حدث مع الدكتور عبد العزيز الدويك ألذى أعتقل داخل ألأراضي الفلسطينية على أحد الحواجز الإسرائيلية التي تفصل ألأراضي الفلسطينية إلى كانتونات منفصلة ، والسؤال هنا هل يمكن أن تقوم إسرائيل بإعتقال الرئيس على احد هذه الحواجز؟ الإجابة نظريا وإفتراضيا نعم . تستطيع إسرائيل ، لكن ما يمنعها إدراكها أن هذا الإعتقال قد تترتب عليه تداعيات داخلية ، وإقليمية ودولية لا تستطيع مواجهتها ، لذلك تكتفى هنا بعدد من الإجراءات التي قد تحقق لها نفس الهدف، وأهمها التاكيد انه بمقدورها القيام بذلك ، وهى هنا كأنها قامت بالإعتقال ، وهذا أحد مضامين رسالة إعتقال الدكتور الدويك الذي توازى السلطة التشريعية التي يرأسها السلطة التنفيذية التي يرأسها الرئيس محمود عباس. والمعيار الثاني تحكمها في التصريح الممنوح للرئيس بالتحرك دخولا وخروجا للأراضى السلطة الفلسطينية . وثالث هذه المعايير وأخطرها حصار الرئيس في المقاطعة كما حدث مع الرئيس الزعيم عرفات الذي إنتهت حياته بالموت مسموما . هذه الإجراءات التي تلوح بها إسرئيل قد تصل في المعنى العام والواسع إلى درجة إعتقال الرئيس على ورق وليس على أرض الواقع. فإسرائيل تدرك ما يعنى إعتقال الرئيس من دلالة ورمزية سياسية فلسطينية ، ومجرد قيامها بهذا الأمر فهو يعنى نهاية وحلا للسلطة الفلسطينية الفلسطينية بالكامل ، وفتح المجال امام كل الخيارات الفلسطينية بما فيها خيار المقاومة المسلحة التي لم تعد إسرائيل في مرحلة التحول العربى قادرة على مواجهتها. وعربيا وفى زمن التحولات في أنظمة الحكم التي بدات تستعيد نفسها لا تستطيع إسرائيل إعتقال الرئيس لأنه قد يشكل تحديا جديدا لكل أنظمة الحكم العربية الحالية ، وتخاطر به بكل علاقاتها القائمة والمحتملة ، ودوليا لن يسمح لإسرائيل أن تقوم بذلك لما تحظى به الرئاسة الفلسطينية وشخصية الرئيس نفسه من إعتراف وتعامل دولة للرئيس كاى رئيس آخر ، وبالتالي ستعرض إسرائيل نفسها لمزيد من الضغوطات والعزلة ، لهذه ألأساب إسرائيل لا تقوى على إعتقال الرئيس ، لكنها قد تمارس سياسات الإعتقال بطريقة غير مباشرة كما ذكرنا . والبديل لإعتقال الرئيس هو إعتقال السلطة كلها ، بكل رموزها ، وشخوصها دون إعتبار للشخص ومنصبه كما هو الحال مع الدكتور الدويك والعديد من أعضاء السلطة التشريعية ، وقد يطال الإعتقال لقيادات امنية وحتى لوزراء لأن تداعيات ذلك تكون أقل بكثير من إعتقال الرئيس ، وكل هذه الإعتقالات تحقق لإسرائيل ما تريد في إعتقال شخص الرئيس. وقد يقول قائل أن إعتقال الدويك وبقية أعضاء المجلس التشريعى يأتى على خلفية أنهم من حركة حماس ، وقد يكون لوجهة النظر هذه ما يبررها جزئيا ، ولكن حدود الإعتقال لا تقف عند حدود حركة حماس ومن هم نوابها . وقد يقول قائل أن إسرائيل لا تستطيع إعتقال الرئيس، لأنها إذا قامت بذلك فمع من تتفاوض ؟ وهذا الكلام ليس صحيحا على كليته ، لأن خيار السلام هو خيار الشعب الفلسطيني كله ، ولا أحد برفض السلام ، ولكن الرئيس يؤمن بهذا الخيار وهو من يشكل ويمثل قوة الإعتدال السياسي الفلسطيني وذهابه ذهاب لكل قوى الإعتدال السياسيى ، وبروز وتنامى قوى التشدد والرفض السياسي . ووجهة النظر هذه سليمة إلى حد بعيد ، لكننى هنا أريد أن أوضح ما أقصد به من إعتقال الرئيس ، المقصود ليس الإعتقال الشخصى ، بل الإعتقال السياسي والضمنى للسلطة الفلسطينية وهو ما ينبغي إن تتحرر منه السلطة وأن لا تسكت عليه ، وان تقاومه بكل الوسائل ، وأن ترفض رهن وجودها بإستمرار إسرائيل لهذه السياسة . والأمر الآخر الذي أقصده أن إعتقال الرئيس بالمعنى الذي ذكرته هو إعتقال ومصادرة لعملية التفاوض والسلام وفقدان أي فرصة في حل الدولتين والذى بفشله ستدخل المنطقة كلها في مرحلة سياسية من الخيارات وستكون حسابات إسرائيل هذه المرة خاطئة ، وستتحمل الثمن السياسي لسياسة الإعتقال التي أخطر ما فيها إمتهان كرامة السلطة الفلسطينيةنفسها ، وإمتهان لكرامة المواطن الفسطينى ، وعندما تمتهن الكرامة الوطنية لا يبقى أمام الشعب الفلسطيني إلا أن يطالب أولا بحل هذه السلطة التي قد جلبت له هذه الإهانة إذا كانت غير قادرة على حل نفسها . إن موضوع الإعتقال السياسي لا يقف عند حدود الأشخاص او السلطة بل يمس الهوية والشخصية الوطنية ، وهذا ما ينبغي أن تدرك أبعاده وتداعياته إسرائيل. أكاديمى وكاتب عربى drnagish@gmail.com