قرع الطناجر ضجراً من الانقسام
زمن برس - غزة
محمد المدهون: الوسيلة إبداعية، أو هكذا يراها أصحابها على الأقل. "الحركة الشبابية" هي صاحبة الفكرة، ويفترض بها أن تعمل من أجل أكبر مشاركة شعبية فيها. الموعد سيكون يوم الأربعاء، الأول من شباط (فبراير) القادم، في تمام الساعة السابعة مساءً. مطلوب من كلٍّ من يتخذ موقف الضد من الانقسام أن ينزل إلى الشارع أو يعتلي سطح منزله، قارعاً طنجرة فارغة لمدة 10 دقائق، علّ ضجيجها يزعج "أرباب" ما بات واقعاً يصعُب تغييره منذ 5 أعوام. إنّها "فوفوزيلا" فلسطينية، إذاً، لتشجيع فريقي المصالحة الفاشلين، حتى اللحظة، في تسجيل الأهداف المطلوبة.
اسم المبادرة المعلن رسمياً طويل: "حملة الوفاء للشهداء لإنهاء الانقسام وتطبيق اتفاق المصالحة". لكنّها تجاوزت معضلة حفظ اسمها بأسلوبها الذي ستتبعه، فصار متداولاً الحديث عنها على أنها مبادرة "قرع الطناجر". طريقة الاحتجاج ليست مستحدثةً تماماً، كما يقول أصحابها. جرى اللجوء إليها سابقاً كفعالية شعبية لمقاومة الاحتلال إبّان وجوده الكامل في محافظات الضفة الغربية وقطاع غزة، تحديداً أيام الطوق، ومنع التجوّل. ليس مستهجناً بالنسبة للداعين إلى الفعالية أن أسلوبهم سيُستخدم بشكلٍ واسع، لأول مرة، ضد بني جلدتهم، لا ضد الاحتلال.
على أيه حال، فإن الحركة الشبابية وقدرتها على التأثير، كانت وما تزال، محل تشكيك كثيرين. التجربة التي جرى تعميم الحكم على أساسها لم يتجاوز عمرها سنةً بعد. نعم... المقصود هو مسيرات 15 آذار العام الماضي، إذ ليس هناك ما ينافسها، على تدني تأثيرها الذي تركته. ويشير الناشط الشبابي أحمد حرب إلى أن المجموعات الشبابية قبل 15 آذار كانت معدودة على الأصابع، أما بعده فظهرت العشرات منها، بعضها فاعل والآخر ليس كذلك. ويؤكد حرب أن هناك نهضة شبابية ووعياً أكبر، فعلى الأقل كثيرون خرجوا من عباءة "مليش دعوة" و"مش موضوعي السياسة". ويقول: "لم يكتمل النضوج، ونحتاج بعض الوقت. لكن ما تحقق يمكن أن يُبنى عليه". أما أهم الأسباب التي قلّلت من سقف الانجازات فهي "المؤامرة من الفصائل"، بحسب حرب. ويوضح "الفصائل رأت في الحراك الشبابي خطراً محدقاً بها، وخشيت أن يشكل حالة بديلةً لها، بالإضافة إلى مشاكل ذاتية كعدم توحيد قيادات هذه المجموعات". هذا التشخيص ليس صحيحاً بالنسبة لعبد الحميد حمد، الذي يبدو عضواً شاباً مقارنة بزملائه في اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية. تعليله لذلك يرتكز على قاعدة أن "أي حركة جماهيرية غير منظمة من السهل جداً على السلطة الحاكمة إسقاطها"، لذا شاركت الفصائل في نشاطات الشباب، لا تآمرت عليهم. ويقول حمد إن "كل الفصائل الفلسطينية وتحديدا التقدمية منها، كانت معنية باندفاع الشباب إلى الشارع، لأن المتحاورين في القاهرة لا يستطيعون الضغط بكل قواهم من أجل الاستفادة من الحوار، من دون رأي عام مؤثر ركيزته الشباب"، وهو موقف شاركه فيه شامخ بدرة، منسق كتلة اتحاد الطلبة التقدمية، الإطار الطلابي لحزب الشعب. ويقول بدرة: "كانت مشاركة الشباب قوية، والجهد كبير، والرسالة وصلت. لكن المشكلة تمثّلت في عدم الاستمرارية. التجربة لم تفشل، واستطاعت تحقيق جزء من الأهداف التي وضعتها، بدليل التوقيع على اتفاق المصالحة. الآن بقيت الخطوة الأهم وهي تنفيذ بنود الاتفاق". ويطالب بدرة بوضع الأمور في سياقها حين محاكمتها، إذ لا يجوز إغفال أن طريق الشباب لم تكن مفروشة بالورود، حيث مُورست بحقهم أساليب مختلفة من القمع والاعتقال، من قبل الأجهزة الأمنية في الضفة والقطاع.
يختلف الشباب ويتنوّعون في مواقفهم من تجربتهم السابقة، لكنّهم متفقون في عدم ثقتهم بفصائلهم. "إذا أردت أن تقتل شيئاً فحوّله إلى لجنة"، يقول حرب، مقللاً من دور لجان المصالحة التي شكّلتها الفصائل. ويضيف: "هذه اللجان لم تخرج معتقلا سياسيا واحدا، عدا أنها لا تشمل أعضاء شباباً، على الرغم من أن الشباب هم من أوجدوا الانقسام، ومن يفترض بهم أيضاً أن ينهوه". ويذكّر بما سبق أن قاله الرئيس محمود عباس عن عدم شرعية القيادة الفلسطينية الحالية، متسائلاً "لماذا إذاً لسنا أمام صناديق الاقتراع؟ اشتقنا للحبر على أصابعنا، وما زال مقر اللجنة التي ستصبغها مغلقا. حتى يوم الانتخابات المزعوم 4 أيار (مايو) هو يوم جمعة، هل هذه محض صدفة؟". لأجل ذلك، ستنفذ المجموعات الشبابية والأطر الطلابية اعتصاماً يوم الأربعاء القادم الموافق 25 كانون ثاني (يناير)، أمام مقر لجنة الانتخابات المركزية في غزة، للمطالبة بحق المواطن في اختيار ممثليه. يأتي ذلك، بالضبط، قبل أسبوعٍ واحد فقط، من حملة قرع الطناجر المنتظرة. لكنّ هذه الأخيرة لن تحتاج إلى ترخيص من وزارة الداخلية كالذي سعى إليه منظمو فعالية 25 يناير. هذا سبب آخر لأن يكون التعبير عن الضجر من استمرار الانقسام بقرع الطناجر لا بالنزول إلى الشارع، كما هو مفترض. يسهب في تبرير ذلك المحامي صلاح عبد العاطي، مدير مكتب الهيئة المستقلة في مدينة غزة، إذ يذكّر بأن الحق في التجمع السلمي منتهك وممنوع، وفي أحسن الأحوال يحتاج إلى ترخيص، وقد يتعرض إلى مضايقات. عبد العاطي سيقرع طنجرته الفارغة مساء الأول من شباط، وسيعمل على مشاركة كثيرين معه في ذلك، من خلال دعواته المستمرّة على المجموعة الخاصة بالحملة في موقع فيسبوك.