مخاض فلسطيني جديد
تتصاعد في الضفة الغربية وفي الشتات الفلسطيني الاصوات الغاضبة على الحال الراهنة للواقع الفلسطيني، وهي حال ارغمت عددا كبيرا من المثقفين الفلسطينيين من كتاب وادباء وصحافيين وفنانين ومفكرين على ارسال برقية للرئيس الفلسطيني محمود عباس. وفي البرقية رفض الموقعون، وهم بالمئات، خطة كيري، وكان شعارهم «كيري لن يمر». واعلنوا ان الشعب الفلسطيني يريد من السلطة ان تنسحب من المفاوضات وان السبب الاساس يعود الى ان العدو الصهيوني يرفض حق العودة والدولة وعاصمتها القدس الشريف ويريد ان ينتزع اعترافا فلسطينيا، وبالتالي عربيا، بدولة لليهود في فلسطين.
الموقعون وفي مواقع التواصل الاجتماعي دعوا الى احد امرين: اما ان تحصل انتفاضة داخل حركة «فتح» ترفض نهج المساومة والتفاوض وتلتزم بالثوابت الوطنية الفلسطينية، او الدعوة الى تكوين قوة فلسطينية ثالثة تؤمن بالثوابت الوطنية وفي مقدمها: المقاومة الشعبية بالوسائل كلها، بما فيها الكفاح المسلح، ورفض نهج التسوية الاستسلامية التي تريد تصفية القضية الفلسطينية برفض حق العودة الى الوطن المحتل.
المثقفون يتحركون غضبا على الانقسام الفلسطيني ورفضا له من جانب، وسعيا الى استعادة جوهر القضية الفلسطينية واسها، لكونها قضية شعب احتل وطنه من قوة عسكرية غاشمة من جهة، وعنصرية من جانب آخر، وان من حق هذا الشعب ممارسة اشكال المقاومة كلها بما فيها العسكرية لاستعادة وطنه، والتأكيد على العمق القومي للقضية الفلسطينية التي تراجعت من كونها قضية الامة العربية المركزية الى مرتبة متأخرة من الاهتمام القومي في ظل الراهن العربي المتداعي.
الجنين الذي ينمو في الرحم الفلسطيني الآن يعبر عن نفسه برفض سبيل المفاوضات التي اهدرت الزمن والجهد ومنحت العدو الصهيوني الوقت للقيام بعمليات التهويد والاسرلة وزرع المستوطنات في الضفة الغربية والقدس بالتحديد. كما ان التحرك هو بالفعل مخاض يستند الى فشل التجربة الراهنة في تحقيق القدر او الحد الادنى من الانسجام والتلاؤم مع اهداف وحقوق الشعب الفلسطيني والخضوع لاشتراطات الدول المانحة وفي مقدمها الولايات المتحدة، النصير الدائم والقوي للصهيونية ومطامعها في ارضنا العربية واهدافها التوسعية الاحتلالية.
ويراهن بعض الغاضبين على ان ثمة امكانية ان يتحرك المخلصون في التنظيمات الفلسطينية كافة لكي ينهضوا بمسؤولية التخلص من الترهل والانحناء امام الضغوط الصهيو- اميركية والاستعداد لابرام اتفاقيات اخرى اتعس واسوأ من اتفاقية اوسلو.
المخاض الجديد الفلسطيني لا يزال في البداية، لكنه يتبلور كما هي عادة حال الحركات الثورية عبر التاريخ الانساني. الولادة الجديدة ليست موجهة ضد أي من التنظيمات والحركات الفلسطينية المقاومة بالذات، ولكنه يأتي رفضا للنتائج الكارثية المتوقعة من المسار المتراخي والمتخاذل الراهن لبعض القيادات الفلسطينية التي تتخلى يوميا عن احد الثوابت الفلسطينية مبررة ذلك بالتوقيت تارة، وبأن عليها اتباع سياسة المراحل من ناحية ثانية متخلية طواعية عن اساس القضية الفلسطينية وهو قضية اللاجئين وحق العودة. بل ان المتحركين يأملون ان تلتف حولهم كل الطاقات الفلسطينية النظيفة في الحركات والتنظيمات الفلسطينية كافة. كما انهم يرون ان اعادة الحياة الى منظمة التحرير الفلسطينية ممكنة وضرورية على ان يعاد العمل بالميثاق الوطني الفلسطيني كما كان ودون أي من التعديلات التي فرضتها اتفاقية اوسلو عليه.
ويبدو ان المشهد الفلسطيني يمكن ان يتحول الى درب لم تكن القيادات الفلسطينية الراهنة تتوقعه من رفض كامل للمسار والنهج الحاليين والبحث عن طرف ثالث قوي وشعبي، وفي ظل معطيات الواقع التي تقول ان «فتح» و«حماس» قد فقدتا الكثير من جرفهما الشعبي خلال السنوات السبع العجاف منذ الانقسام.