لماذا لا تكشف إسرائيل سرها النووي؟

بقلم: 

المفاوضات الأخيرة التي جرت في جنيف بين إيران ومجموعة (5+1) (الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا) تشكل آلية واعدة لتجنب حرب مدمرة أخرى . وهذه المفاوضات جاءت في أعقاب انتفاضة فعلية للشعب الأمريكي منعت الرئيس باراك أوباما من مهاجمة سوريا، ما أثبت بوضوح رغبة في حل النزاعات حول طاولة المفاوضات، وليس بقوة السلاح .

غير أن “إسرائيل” وحلفاءها في الكونغرس الأمريكي يواصلون حملة ضغط ضد اتفاق حول حل وسط مع إيران، ويصرّون على التمسك بسياسة إرغام إيران على وقف تخصيب اليورانيوم كلياً، وهي سياسة تعيق التوصل إلى اتفاق مع إيران .

وقال مجلس الوزراء “الإسرائيلي” في بيان له يوم 15 أكتوبر/تشرين الأول: إن “إسرائيل” لا تعارض أن يكون لدى إيران برنامج سلمي للطاقة النووية، ولكن كما ثبت في العديد من البلدان، بما فيها كندا وإندونيسيا، فإن البرامج السلمية لا تستلزم تخصيب يورانيوم أو إنتاج بلوتونيوم، أما برنامج إيران لصنع أسلحة نووية فهو يستلزم هذا التخصيب” .

هذا البيان لمجلس الوزراء “الإسرائيلي” مثير للسخرية، في ضوء برنامج “إسرائيل” الخاص بصنع أسلحة نووية، وهو برنامج كثيراً ما يوصف بأنه “سر مكشوف” بسبب الحظر الصارم المفروض على نقاش علني حتى بشأن وجوده .

والصحفي المتخصص في شؤون الأمن القومي في صحيفة “واشنطن بوست” والتر بينكوس هو واحد من بضعة صحفيين يعبرون علانية عن الارتياب في هذا النفاق السافر . وفي مقال نشره يوم 3 أكتوبر/تشرين الأول، كتب يقول: “عندما تساءل رئيس الوزراء “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو (في خطابه أمام الأمم المتحدة) “لماذا يبني بلد يدعي أنه يريد فقط طاقة نووية سلمية، لماذا يبني مثل هذا البلد منشآت تخصيب مخفية تحت الأرض؟”، فكرت تلقائياً بمفاعل ديمونة” .

وتفيد تقارير بأن منشأة “إسرائيل” النووية في ديمونة، المدينة الواقعة في صحراء النقب، تضم أربعة طوابق تحت الأرض مخصصة لأنشطة مثل استخلاص البلوتونيوم، وإنتاج عنصري التريثيوم والليثيوم -،6 من أجل استخدام هذه المواد الانشطارية في صنع أسلحة نووية .

وبينما وقعت إيران معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية - الأمر الذي يعطي المجتمع الدولي الحق في المراقبة والقيام بعمليات تفتيش - فإن “إسرائيل” لم توقع المعاهدة، وهي بالتالي غير خاضعة لأي رقابة خارجية .

وحسب المؤرخ والكاتب الأمريكي - “الإسرائيلي” آفنر كوهين، مؤلف كتاب “إسرائيل” تماحك بشأن القنبلة” فإن ديفيد بن غوريون كان بدأ يخطط لتسليح “إسرائيل” بدرع نووية حتى قبل إقامة “دولة “إسرائيل”، وذلك بعد وقت قصير من قيام الولايات المتحدة بقصف مدينتي هيروشيما وناغازاكي بقنبلتين ذريتين . وقد تحرك أول رئيس وزراء ل “إسرائيل” من أجل المباشرة في تنفيذ مشروع تطوير نووي بنهاية العقد الأول من عمر الدولة الجديدة .

وعلمت الحكومة الأمريكية بالمشروع واعترضت بشدة، ولكن عندما حصل “الإسرائيليون” على مبتغاهم رغم الاعتراض الأمريكي ورفضوا التخلي عن ترسانتهم الجديدة، عُقد اتفاق سري بين رئيسة الوزراء “الإسرائيلية” غولدا مائير والرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، وكان اتفاقاً على نمط السياسة القديمة التي كان الجيش الأمريكي يطبقها بالنسبة إلى المثليين على أساس مبدأ “لا تسأل لا تخبر”، وبموجب الاتفاق، وافق “الإسرائيليون” على إبقاء أسلحتهم الجديدة طي الكتمان، في حين تعهد الأمريكيون بالتظاهر بأن هذه الأسلحة غير موجودة .

تبين حديثاً وجود تشابه غريب بين قصتي كاشف الأسرار “الإسرائيلي” مردخاي فعنونو، الاختصاصي الفني النووي الذي كشف للصحافة البريطانية عام 1986 تفاصيل عن البرنامج “الإسرائيلي” لصنع أسلحة نووية، وأدوارد سنودين، المتعاقد مع وكالة الأمن القومي الأمريكية والموظف السابق لدى وكالة الاستخبارات “سي آي إيه”، والذي كشف للصحافة البريطانية أيضاً عن وجود برنامج التجسس الحكومي الأمريكي على المواطنين الأمريكيين ودول أجنبية . فكلاهما شغل وظيفة متوسطة المستوى في وكالة تخدم المؤسسة الدفاعية، وكان متاحاً لهما النفاذ إلى أسرار دولة حساسة، والاثنان أصبحا مقتنعين بأن مستخدميهما مسؤولان عن ارتكاب اعمال لا أخلاقية، فقررا نكث قسميهما على السرية وإبلاغ العالم بما يعرفان، وبذلك أثار كل منهما عاصفة دولية، وكلاهما تعرض للملاحقة القانونية بتهمة تسريب معلومات سرية .

وإذا كان سنودين قد أفلت حتى الآن من قبضة حكومته فإن فعنونو أمضى 18 سنة في السجن، من ضمنها أكثر من 11 سنة في سجن انفرادي، وبرغم إطلاق سراحه عام ،2004 إلا أنه ظل خاضعاً لسلسلة طويلة من قيود فرضت على تحركاته وحريته في الكلام، بما في ذلك إعادة اعتقاله مرات عدة بسبب مقابلات مع صحافيين أجانب ومحاولته مغادرة “إسرائيل” .

وكما أن حكومات أجنبية وأشخاصاً آخرين ما كانوا ليعرفوا أبداً أن الحكومة الأمريكية كانت تتجسس على بريدهم الإلكتروني ومكالماتهم الهاتفية لولا سنودين، فإن العالم ما كان ليعرف شيئاً يذكر عن أسلحة الدمار الشامل لدى “إسرائيل” لولا فعنونو .

إن الاستمرار في ممارسة سياسة “لا تسأل، لا تخبر” في مسألة بمثل هذه الأهمية المركزية للأمن الدولي لن يفيد العالم، ولا “إسرائيل” قانونياً، وأخلاقياً، وطالما أن “إسرائيل” ترفض الإقرار بامتلاكها أسلحة نووية، أو حتى بأنها انتجت مواد انشطارية تصلح لصنع أسلحة نووية، سيكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، حملها على المشاركة في أي عملية للحد من التسلح، أو أي دبلوماسية بشأن المسألة النووية . وسيكون من المستحيل بالتأكيد التحرك باتجاه شرق أوسط خال من الأسلحة النووية - وهذا هدف يجب أن يسعى إليه المجتمع الدولي بأسره، والرئيس الإيراني الجديد تبنى هذا الهدف .

ألم يحن الوقت لكي يبدأ العالم بأن يسأل، و”إسرائيل” بأن تخبره ما لديها من أسلحة نووية؟ 

المصدر: 
الخليج