التشويه والافتراء في خطاب نتنياهو

بقلم: 

من يقرأ النص الكامل للخطاب الذي القاه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مطلع هذا الاسبوع في جامعة بار إيلان، في المكان عينه الذي القى فيه قبل اربعة أعوام خطابه الشهير الذي اعلن فيه موافقته على حل الدولتين، يمكنه أن يلمس بصورة جلية الانقلاب الكامل الذي طرأ في موقف نتنياهو على فكرة حل الدولتين، وعلى المساعي التي تبذلها إدارة أوباما من اجل تحقيق هذا الحل.
فالخطاب لم يذكر بتاتاً حل الدولتين، وتناول الجزء الاساسي منه ما سماه نتنياهو "اساس" النزاع الفلسطيني– الإسرائيلي. ففي رأيه ان هذا النزاع ليس الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، ولا بناء المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، ولا مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، بل رفض العرب هجرة اليهود الى إسرائيل منذ ثلاثينات القرن الماضي.
لكن اكثر ما يثير الاستفزاز اتهام نتنياهو مفتي القدس آنذاك الحاج أمين الحسيني بالتواطؤ مع النظام النازي ضد اليهود وتشجيعه هتلر على ابادتهم، حتى ليخيل الى من يقرأ الخطاب أن مفتي القدس هو وراء فكرة المحرقة النازية.
ويخلص نتنياهو من هذا كله الى ان جوهر النزاع هو الرفض الفلسطيني للاعتراف بيهودية دولة إسرائيل. ويذهب بعيداً في دفاعه عن موقفه، ليثبت ان النزاع مع الفلسطينيين ليس وراء عدم الاستقرار في المنطقة، بدليل الاضطرابات التي تعمّ العالم العربي اليوم والتي تسبب بها الصراع على السلطة والنزاعات الاهلية والمذهبية داخل الدول العربية نفسها، وليس النزاع مع إسرائيل.
فماذا يجري لنتنياهو هذه الايام؟ وهل خطابه هو تخل ضمني عن فكرة حل الدولتين؟ وهل المفاوضات الجارية بين الفلسطينيين والإسرائيليين مجرد مسرحية تهدف الى ارضاء إدارة أوباما فقط لا غير، والآن وبعدما اتضح لنتنياهو ان هذه الإدارة قد "كوعت" في اتجاه طهران لم يعد يرى نفسه ملزماً اخفاء نياته الحقيقية؟
الاكيد ان نتنياهو يشعر باحباط كبير بعد عودته من نيويورك ولقائه الرئيس أوباما، لأنه خرج واثقاً من موت الخيار العسكري في معالجة المشكلة النووية الإيرانية، وأن اقصى ما بات يطمح اليه في الوقت الراهن اقناع الغرب بمواصلة فرض العقوبات على إيران، وهذا في نظره يشكل نكسة هائلة لكل الجهود التي بذلها نتنياهو طوال الاعوام المنصرمة ضد المشروع النووي الإيراني.
كل ما يمكن قوله ان الخطاب الاخير لنتنياهو محاولة مقصودة ومريبة لتشويه الحقائق التاريخية وتلطيخ سمعة الزعامات الفلسطينية، وهو مناورة مكشوفة لاعادة الصراع مع الفلسطينيين الى المربع الاول. والاهم من هذا كله قد يكون مقدمة لاعلان فشل المفاوضات مع الفلسطينيين.

المصدر: 
النهار