الجمهورية المصرية الثانية.. وجمهورية ميدان التحرير!
لا شك أننا أمام تجربة انتخابية رائدة، هي الأولى من نوعها في المنطقة العربية، وكان يمكن أن يكون لبنان صاحب التجارب الديمقراطية الرائدة، إلاّ أن اعتماد قانون الانتخابات اللبنانية على توزيع المناطق وفقاً للكتل الطائفية والمذهبية، يجعله أقل ديمقراطية، لذلك، فإن ما جرى في جمهورية مصر العربية من انتخابات رئاسية، يضع هذه التجربة في صدارة التجارب الديمقراطية على صعيد الانتخابات وحتى، ومع فشل الاحتفاظ بالبرلمان المصري، بعد صدور حكم المحكمة الدستورية فإن الالتزام بقرارات المحاكم العليا، والخضوع للدستور والقانون، هو أحد أهم معايير الديمقراطية، لذلك كله، وبغض النظر عن النتائج، فإن لهذه التجربة صفة الريادة في النظام العربي الرسمي.
إلاّ أن ذلك لا يعفي المراقب من تناول شواهد وملاحظات، كان يمكن لها أن تشكك في ديمقراطية وشفافية هذه الانتخابات، التي صاحبتها ثقافة التزوير، و"إبداع" غير مسبوق في فنون التزوير هذه، وصلت حتى إلى طباعة بطاقات الانتخاب و"تسويدها" ثم "تدويرها" ناهيك عن شراء الأصوات في ظل نسبة هي الأعلى في المنطقة العربية من الفقر والبطالة، تلاشت قوى "البلطجة" التقليدية التي سادت الانتخابات في ظل الحكم السابق، إلاّ أنها توفرت وبعمق أكبر من خلال بلطجة التأثير على الناخبين، من تخويفهم من الحالة التي ستصل لها مصر في حالة نجاح المرشح الآخر، والعثور على كتيبات و"سيديهات" تشرح كيفية صنع القنابل بالمواد المتوفرة في السوق، والإعلان عن هذا العثور، شكّل مع أساليب أخرى متشابهة، أحد أشكال البلطجة للتأثير على صوت الناخب، حتى أثناء الإدلاء بصوته في الدائرة الانتخابية. وعندما تتجرّأ جهة ما، على إعلان فوزها بوقت مبكر، وحتى قبل إتمام عملية جمع نتائج التصويت في الدوائر الفرعية، وقبل استيفاء مناقشة الطعون، هو تعدّ سافر على الديمقراطية، ومحاولة جدية لقطع الطريق أمام أي قرار حول نجاح المرشح الفائز من قبل الجهة الوحيدة المخولة بهذا الإعلان، وهي لجنة الانتخابات الرئاسية حصرياً، وفي هذا السياق، نشير إلى بعض التجارب الديمقراطية حيث لا يعلن الفائز عن فوزه إلاّ بعد تلقيه التهنئة من قبل المرشح الخاسر، وعادة ما يعلن المرشح الخاسر، في مؤتمر صحافي، يسبق المؤتمر الصحافي للمرشح الفائز، لهذا السبب، حيث يشير المرشح الفائز، أنه تلقى التهنئة من الخصم ويقوم بشكره ثم يدلي بباقي بيانه، هذه ثقافة ديمقراطية لا تزال غير متوفرة في منطقتنا، ولا نعتقد أنها ستتوفر إلاّ بعد تجارب ديمقراطية تحتاج إلى سنوات وعقود قادمة مع أن النتائج النهائية للانتخابات الرئاسية، لم تصدر بعد، إلا أنه بات من الثابت أن هناك تقارباً في نسبة ما حصل عليه كل من المرشحين، وهذا يشير إلى أن أي رئيس قادم "سيحظى" بمعارضة شديدة من الناحية العددية على الأقل، إلاّ أنه يتوجب الإشارة إلى ملاحظة بالغة الأهمية بهذا الصدد، إذ ان المعارضة الفاعلة، هي المنطلقة من أحزاب عاملة على الأرض، وفي هذا السياق هناك فروق هائلة بين الطرفين، لدينا لدى "الجماعة" تنظيم قوي وفولاذي ويحتكم إلى مبدأ السمع والطاعة والقدرة الهائلة على الحشد، ما يجعل الجماعة، قوة معارضة بالغة القوة والتأثير، وعلى العكس من ذلك، فإن ناخبي "شفيق" هم من الأفراد لا يربط فيما بينهم سوى الموقف من المرشح والتعبير عنه في صندوق الاقتراع، ما يجعل وصوله إلى المعارضة، لن يكفل مواجهة حقيقية في إطار منظم لهذه المعارضة، وبالتالي لن يحسب لها "النظام" أي حساب يذكر.
وفي كل الأحوال، سواء وصل شفيق إلى الرئاسة، أم لا، فإن الأمر الحتمي والضروري أن يشكل حزباً أثناء الحكم، وإذا رغب في أن يشكل قاعدة معارضة قوية، وإذا لم ينأَ بنفسه عن العمل السياسي باختياره، يتوجب عليه، أيضاً، أن يشكل حزبه الخاص، وهذا يعني، أن العمل السياسي، سواء في السلطة أو المعارضة، لم يعد قائماً بدون قاعدة حزبية يعتمد عليها للمساعدة في الحكم، أو في تنظيم معارضة للحكم القائم، واستعداداً لتولي السلطة في الانتخابات الرئاسية القادمة. غير أن الملاحظة الأبرز في إطار الانتخابات الرئاسية المصرية ومدى ديمقراطيتها، تتعلق بالفراغ الدستوري، إذ إن الإعلان الدستوري، والإعلان الدستوري المكمل، ليس كافياً لملء الفراغ الذي حاول المجلس العسكري سده من خلال إجراءات دستورية، استوجب تولي المجلس كافة الصلاحيات التشريعية والتنفيذية كاملة، وهو أمر غير دستوري على الإطلاق، حتى لو كان الأمر يتعلق بفترة انتقالية غير محدودة، وإذ يمكن تفهم ما أقدم عليه المجلس العسكري من "إعلانات دستورية" نتيجة للوضع الاستثنائي الذي تمر به البلاد، إلاّ أن ذلك يطعن في مدى ديمقراطية هذه الخطوات.
وحتى لو سلم المجلس العسكري السلطة التنفيذية للرئيس القادم مطلع تموز كما يقول المجلس ويعلن يومياً، فإن معظم السلطات التشريعية، وبعض السلطات التنفيذية ستظل بيد المجلس العسكري وفقاً لمواد الإعلان الدستوري المكمل، فالرئيس سيظل محدود الصلاحيات، إلاّ إذا انتزعها بقوة ما يملك من تنظيم واصطفافات من خلفه، وسيظل الأمر على هذه الحال إلى حين إنجاز الدستور والاستفتاء عليه من قبل الشعب، ما يجعل الفترة الانتقالية تعاني من تعارضات دستورية، تستمر معها الأوضاع الاستثنائية إلى فترات أطول من عدم الاستقرار والمنازعات الداخلية. الجمهورية المصرية الأولى، بدأت بثورة الضباط الأحرار عام 1952، إلاّ أن الجمهورية الثانية، بدأت مع تسلل الربيع العربي إلى الجمهور المصري من خلال جمهورية ميدان التحرير، ومرة أخرى يخرج العسكر لحماية هذه الثورة، ويحدون من محاولة سرقتها من خلال أدعياء الدين والثورة!!