مرسي أو شفيق رئيسًا لمصر والقضيّة الفلسطينيّة
إذا جاءت النتائج الرسميّة النهائيّة لتؤكد ما أعلنته حملة محمد مرسي حتى كتابة هذه السطور عن تقدمه؛ فإن هذا يُحْدِثُ نوعًا من التوازن الذي لن يتحقق في حال فوز شفيق، خصوصًا بعد حل مجلس الشعب عشيّة الانتخابات الرئاسيّة، الذي أفقد الإخوان المسلمين وحلفاءهم المؤسسة التشريعيّة التي أعطتهم مركز قوة لا يمكن تجاهله. فوز شفيق بعد حل مجلس الشعب والجمعية التأسيسيّة ووضع معظم السلطات في يد المجلس العسكري بعد الإعلان الدستوري المكمل يعني عودة النظام القديم بحلة جديدة، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى تجدد الثورة. أما فوز مرسي فيعني أن صراعًا سيدور بين الرئيس الذي ينتمي إلى الإخوان المسلمين الذين شاركوا بالثورة، وبين المجلس العسكري صاحب السلطة الفعلية، ما سيجعل الرئيس أقرب إلى المعارضة منه إلى الحكم، الأمر الذي يفتح الباب لفترة من عدم الاستقرار لن تتضح معالمها ونهايتها إلّا بعد إجراء انتخابات مجلس الشعب وإقرار الدستور، وهذا يعني أن مصر ستدخل في مرحلة انتقاليّة جديدة سيتم فيها التنافس الشديد على كل شيء، خصوصًا على صياغة الدستور الجديد وانتخاب مجلس شعب جديد، الذي من دون انتخابه لا يمكن أن يتحقق نظام ديمقراطي يؤمن الفصل بين السلطات واستقلاليتها. النتائج الأولية تؤكد مرة أخرى أن ما جرى في مصر بعد ثورة 25 يناير تاريخي، لا يمكن أن تعود عقارب الساعة بعده إلى الوراء بسهولة، فإذا كانت قطاعات واسعة من الشعب والقوى المصرية قد خافت من استحواذ الإخوان المسلمين على قيادة كل السلطات والمؤسسات، فإنها خافت بعد قرارات المحكمة الدستورية والمجلس العسكري بحل مجلس الشعب والجمعية التأسيسية للدستور وبعدم دستورية قانون العزل من استحواذ المجلس العسكري على كل شيء، وبالتالي صوّتت لصالح مرسي قطاعات كانت قد دعت إلى المقاطعة أو إبطال الصوت. لو افترضنا جدلًا أن حسني مبارك سيعود إلى سدة الرئاسة المصريّة، فإنه لن يستطيع أن يحكمها مثلما كان يفعل في السابق. فبعد الثورة أصبح المواطن المصري الذي خاف من الحاكم عشرات السنين فاعلًا وقادرًا على إخافة الحاكم الذي سيقرر بعد اليوم وسيأخذ في حسابه إرادة الشعب ومطالبه.
يكفي أن مصر لأول مرة تدخل في انتخابات رئاسيّة، وهي لا تعرف مسبقًا هويّة الرئيس القادم، وأنه لن يحصل على 99% من الأصوات، وسيبقى لمدة أربع سنوات فقط قابلة للتجديد لمرة ثانية فقط إذا فاز في الانتخابات الرئاسيّة القادمة. بالرغم من كل ما سبق، يجب على الإطلاق عدم التقليل من تعقيدات ومخاطر الوضع الذي تعيشه مصر، خصوصًا في ظل وجود رئيس لا ينسجم مع مؤسسات الدولة العميقة، وفي ظل الصراع الحاد بين شرعيّة الثورة والشرعيّة القائمة حاليًّا. لقد سارت مصر بعد الثورة بالمقلوب، فبدلًا من تشكيل مجلس رئاسي يشارك فيه العسكر وشخصيات اعتباريّة تحظى بقبول شعبي لا شك فيه، يقوم بوضع دستور توافقي دون هيمنة أحد عليه تجري على أساسه الانتخابات التشريعيّة والرئاسيّة، كما كانت تطالب بعض قوى الثورة وشخصيات اعتباريّة، مثل محمد حسنين هيكل ومحمد البرادعي؛ اختارت إجراء استفتاء على إعلان دستوري بعد عقد صفقة بين المجلس العسكري والإخوان المسلمين، إعلان لم يعالج احتياجات مصر بعد الثورة، وكان جذر كل ما عانته من أزمات منذ إقراره وحتى الآن. إن فوز مرسي في السباق الرئاسي في ظل الظروف التي تعيشها مصر؛ يضع جماعته وحزبه أمام اختبار مصيري قد يكون للمرة الأخيرة، وذلك بعد سلسلة من الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها جماعة الإخوان المسلمين، وظهرت من خلال سعيها للاستحواذ بكل شيء، خلافًا لادعاءات سابقة (بعدم الحصول على أغلبيّة في مجلسي الشعب والشورى، وعدم السيطرة على الجمعيّة التأسيسيّة، وعدم ترشيح رئيس)، إلى التخلي عن الثورة والميدان ومطالبة الثوار بالانصياع لشرعيّة البرلمان والنظام القديم ومغادرة شرعيّة الثورة، بالرغم من أنها لم تحقق أهدافها.فهناك فرق حاسم بين تغيير رأس النظام وبين تغيير النظام بأكمله.
فإذا اختار مرسي أن يكون رئيسًا لمصر وليس لجماعة فيها، فعليه أن يؤمن بالتعدديّة والمشاركة والمساواة بين المواطنين، وضرورة إرساء نظام ديمقراطي، وذلك من خلال تكليف رئيس حكومة قادر على جمع المصريين والدفاع عن مصالحهم وأهدافهم، ولا ينتمي إلى حزب الحريّة والعدالة، وتشكيل حكومة ائتلافيّة تضم مختلف القوى قادرة على وقف التدهور الحاد في الأمن والاقتصاد، وعلى الشروع في طريق قادر على إعادة مصر إلى لعب دورها بوصفها الدولة المحوريّة في المنطقة، التي تقزّم دورها بعد أن أصبحت دولة هامشيّة بما لا يتناسب مع حجمها وثقلها ومكانتها وماضيها القريب والبعيد. في كل الأحوال، لم يسدل الستار على المرحلة الانتقاليّة التي تعيشها مصر، بل بدأت مرحلة انتقاليّة جديدة، سواء إذا تأكد فوز مرسي أو فاز منافسه شفيق، وهذا يعني أن مصر ستكون منشغلة بنفسها لفترة طويلة، فالديمقراطيّة لا تتحقق لمرة واحدة ولا بفترة قصيرة، بل عبر مراحل متعددة يستعر فيها الصراع بين النظام القديم الذي لم يرحل تمامًا، والنظام الجديد الذي لم يرسخ أقدامه، وقد يكون هناك تقدم إلى الأمام أو تراجع إلى الخلف. وإذا انتقلنا إلى تأثير نتائج الانتخابات الرئاسيّة المصريّة على القضيّة الفلسطينيّة وعلى ملف المصالحة، فلا بد من القول إن القضيّة الفلسطينيّة مسألة أمن قومي مصري، ما يجعل هناك ثوابت سيلتزم بها أي رئيس مصري بصرف النظر عمن يكون.
وإذا أضفنا إلى ما سبق الأعباء الثقيلة التي ترزح تحتها مصر من الآن وحتى إشعار آخر، وأن مصر لن تستقر لفترة قد تطول، فالقرار المصري لن يتحكم به فرد واحد، وإنما سيكون محصلة لتوازن يشارك فيه الرئيس والمجلس العسكري والثورة والرأي العام بميل واضح للمجلس العسكري الذي سيحظى بمكانة خاصة في المرحلة القادمة، وبالتالي لن يحصل تغيير حاسم سريع في السياسة المصريّة إزاء القضيّة الفلسطينيّة بصرف النظر عمن سيفوز بالرئاسة. تأسيسًا على ما تقدم، التغيير سيكون محدودًا، ويظهر في أن فوز شفيق سيكون مريحًا لفريق فلسطيني، لأنه سيدعم القيادة الفلسطينيّة والسلطة، وسيرهما في عمليّة السلام، والسعي إلى استئناف المفاوضات، والإشكاليّة يمكن أن تظهر في أن شفيق ليس مضمونًا أن يدعم الشروط الفلسطينيّة التي وضعها الرئيس أبو مازن لاستئناف المفاوضات، ولن يكون متحمسًا لا إلى التوجه للأمم المتحدة واللجوء إلى المقاومة الشعبيّة، ولا إلى إتمام المصالحة بين "فتح"، و"حماس" التي تعتبر امتدادًا لجماعة الإخوان المسلمين المنافسة على الرئاسة وحكم مصر، إلا إذا جاءت المصالحة على أساس ترويض "حماس" وقبولها للشروط التي تطرحها اللجنة الرباعيّة الدوليّة. وإذا فاز مرسي فهذا سيكون خبرًا مفرحا لـ"حماس"، التي عليها أن تدرك بأن أي رئيس، بما في ذلك مرسي، لن يستطيع أن يتعامل مع سلطتها في غزة كدولة مستقلة ويحقق هدف إسرائيل برمي قطاع غزة في حضن مصر، وبما يقطع الطريق على إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينيّة على الأراضي المحتلة عام 1967، بما في ذلك القدس.
من المتوقع أن يضغط الرئيس مرسي على "حماس"، وإن بشكل أقل مما لو كان هناك مجلس شعب موالٍ له؛ لتواصل اعتدالها وتواصل طريقها نحو المصالحة، حتى تكون جزءًا من السلطة الشرعيّة الفلسطينيّة المعترف بها عربيًّا ودوليًّا، وبما يفتح الطريق لرفع الحصار عن قطاع غزة وإعادة إعماره، لأن مصر بحاجة ماسة بعدما عانته إلى أن تكون عنصرًا يساعد على الاستقرار الإقليمي، ويحافظ على معاهدة السلام مع إسرائيل حتى تحصل مصر على الدعم الأميركي والأوروبي والدولي، والعربي الذي بحاجة إلى ضوء أخضر أميركي ودولي. إن قراءة الوقائع والتطورات بواقعيّة لا تسمح برهان مبالغ فيه من طرف فلسطيني أو أكثر على نجاح مرسي أو شفيق، أو نجاح أوباما أو منافسه، أو على عدم تغيير أو تغيير في الموقف الإسرائيلي بعد ضم حزب كاديما إلى الحكومة الإسرائيليّة، أو بعد إجراء انتخابات مبكرة أو في موعدها، لأن الشرط الحاسم لإبقاء القضيّة الفلسطينيّة حاضرة، وللاحتفاظ بما تبقى من أرض وحقوق ومكتسبات، والسير على طريق تحقيق الأهداف الوطنيّة؛ يتمثل في إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، بما يمكن الفلسطينيين من لعب دور فاعل في مواجهة الاحتلال أولًا وأساسًا وقبل كل شيء، ثم على كل المستويات العربيّة والإقليميّة والدوليّة. فهل ترتقي الأطراف المتنازعة إلى مستوى التحديات والمخاطر والمصلحة الوطنية العليا، أم تبقى في دوامة الانقسام المدمرة التي يخرج منها الجميع مهزومًا؟.