يا نظامنا السياسي ... توحد أو تبدد !!
أن يستمر الشعب معلقاً على صليب الانقسام إلى ما شاء الله، فالسكوت على هذا الوضع من قبل الكتاب والفصائل وقوى المجتمع هو مشاركة في مسرحية الهزل الدائمة التي أصبحت الوجه الآخر لواقع الشعب الفلسطيني. فالانقسام يستمد قوته من صمتنا كلنا، فقد شاركنا في مؤامرة الصمت ضد مشروعنا حين لم نرفع صوتنا عالياً أمام من يستمر بالعبث بنا إلى هذا الحد، فلم يجد الانقسام والعبث بمصير الشعب من الممانعة والمقاومة والضغط على أطرافه ما يرغمهم على رفع راية الاستسلام، فحين تغيب الإرادة الشعبية والرقابة الشعبية وحين لا يخشى النظام السياسي من جمهور ناخبيه وحين لا يجد هذا النظام من يصحح مساره عندما يخطئ، يصبح الخطأ هو السمة الدائمة لنظام الحكم، وإلا كيف استمرت جريمة الانقسام خمس سنوات؟
كلنا كنا شهود الزور على الحقيقة الصادمة، على هذا التدمير الدائم لماضينا وحاضرنا ومستقبلنا. كل جولة حوار تعكس عجز المتحاورين بنهاياتها المتشابهة واتهاماتها المتكررة، هذا الحوار الذي تضع أطرافه في كل مرة لغماً تحت طاولته، وتذهب مدججة بقنابل موقوتة وتعليمات للناطقين وثكنات الإعلام بفتح النار حتى قبل أن يبدأ الحوار لنشهد مع كل جولة رشقات من الاتهامات لا تهدأ إلا حين يعلن عن التأجيل المتكرر وهو الاسم الحركي للفشل الذي أصبح لصيقاً بالمتحاورين، ومنهم امتد إلى النظام السياسي كله لنعود في كل مرة لنجد أنفسنا نضمد جراح الأمل من إصاباتنا في معارك الحوار المزمن والمسافر دوماً إلى كل العواصم والمدن دون أن يستقر في مدنه الجائعة للوحدة.
تأجيل جديد بعد تأجيل قديم سبقه تكرار للمشهد الممل نفسه وخلاف هذه المرة على وزارة الداخلية، وهذه وحدها تستدعي التوقف، فالتنافس على من سيمتلك أدوات القوة والسلاح لحكم الشعب بالحديد وليس على الوزارات الخدماتية، ليس هناك تسابق على من سيخدم الناس إلا في شعارات الدعاية وبعد ذلك يصبح الحديث عن احتكار القوة للحزب هو الأولوية والمهمة الرئيسة، التجربة الفلسطينية تقول إن هذه الوزارة رمز للاستبداد وتقييد الحريات ومصادرة الحقوق فلماذا تقاتل هذه الفصائل على تلك الوزارة التي لا تجد اهتماماً في الدول الديمقراطية، ففي إسرائيل مثلاً لم تكن وزارة الداخلية لدى الحزب الحاكم منذ عقود وفقط تحظى باهتمام حزب طائفي صغير وهو حزب شاس ومرة واحدة في نهاية تسعينيات القرن الماضي انتقلت لحزب روسي صغير أيضاً. لكن هناك فرقاً بين من يسعى لأن يخدم شعبه ومن يريد أن يحكم شعبه، بين من يعتبر أن مصدر قوته احترام الناس وحضوره الجماهيري وبين من يرى في العسكر والسلاح مصدر قوته الرئيس، ولنا أن نفهم ونحلل كما نريد ارتباطاً بهذا المنطق والذي من الطبيعي أن يقودنا من انقسام إلى آخر ومن تراجع إلى تراجع لنجد أنفسنا صفر اليدين من الإنجازات وفي حالة مراوحة في المكان، لهذا ليس من الصدفة أن يبقى مشروعنا في حالة إجهاض دائم ممن يفترض أنهم كانوا آباءه الشرعيين.
لا سنغافورة في الضفة، ولا المدينة الفاضلة في غزة البائسة والزاحفة على بطنها من الإغلاق وطوابير السفر على بوابتها الوحيدة والخانقة في رفح، مستوطنات تجتاح الضفة كالجراد تأكل الأرض على مرأى من الجميع، وفي غزة يستوطن الفقر والجهل مساحات جغرافية واسعة من عقول البشر الهاربين من حلول زادت من طينتها بلة، لا مفاوضات في الضفة ولا مقاومة في غزة أما القدس فأصبح الحديث عنها نوعاً من الترف السياسي المنفصل عن واقع غارق منذ سنوات في تفاصيل أزمة صنعها الفلسطينيون بأنفسهم ومنذ سنوات يتركز انشداد الفلسطيني فقط نحو المصالحة التي أصبحت كأنها مشروع التحرير الجديد واستنزفت كل طاقات العمل واستولت على التفكير والوقت والإعلام والجهد وتذاكر السفر الدائم كرحلة استجمام للوفود’ ولكنها بالنسبة للمواطن أمل يتجدد ثم ينكسر ليزيد مشروع التحرير انكساراً، ومواطن يبدو أنه لن يرفع رأسه مما فعله النظام السياسي بشقيه منذ أن بدأ لعبة الإقصاء والاستيلاء والرغبة بالاستئثار بوطن على من يحكمه أن يفكر أولاً بالإجابة عن السؤالين الأصعب..
سؤال تأمين حياة كريمة للناس وإيجاد فرص عمل والسؤال الآخر التحرير وحتى اللحظة فإن ما قدم من إجابات عكس بشكل واضح فشل الأطراف في إيجاد حلول فعلية، فعلى ماذا القتال إذا؟ فالمسؤولية كبيرة على من يتقدم لحكم الشعوب وبالأخص شعبنا، لهذا نرى بعض الفصائل تتجنب المشاركة خوفاً من رسوب الإجابة عن الأسئلة الصعبة إلا إذا كان مفهوم السلطة تحصيل حصة الحزب من هذا الوطن وهذا منطق آخر.
الأسئلة كبيرة على مستوى قيادة الشعب وفصائله جميعها سلطة ومعارضة أحزاب انغمست في القيادة وأخرى في حالة اصطياف... من يحكمنا حقاً؟ من حقنا أن نسأل السؤال الصعب بعد أن وصلنا إلى هذا المستوى من التردي، فمن يعتقد أنه تبقى من الأرض ما يمكن من إقامة الدولة في الضفة فهو هاو في السياسة، ومن يعتقد أن برلمان غزة عاصمة الإمبراطورية العظمى فهو من حالمي السياسة، ومن يقود بعقل الذي يرفض التصالح من أبناء شعبه من العلمانيين فهو هاو في السياسة وكثر هم الهواة الذين يمارسون التجربة والخطأ ويحاولون احتراف العمل وتعلمه على جلد الشعب، يا لهذا الشعب الذي أعجز عن توصيفه، هل يستحق الشفقة والعطف؟
أم هو شعب من الخانعين ولا يستحق أكثر من ذلك؟ فالشعب الذي تصادر حقوقه ويصمت هو شعب اختار قدره الاستسلامي وحياته البائسة، والشعب الذي لا يستعيد سلطته بعد انتهاء ولاية المكلفين بالعمل لديه لا يستحق منهم لحظة تفكير واحدة بإعادة الأمانة، والأزمة الأكبر أن النظام السياسي المأزوم تحول إلى عبء على مشروع التحرر، حرف القتال على جبهة السلطة ووزارة داخليتها التي أصبحت بوصلة الكفاح نحو استرداد حقوقه ومقارعة المحتل واستنزفت محاولة إدارة السلطة بشقيها هنا وهناك طاقة كل كوادر قيادة مشروع التحرير وطاقاتهم وحولتهم إلى حالة بيروقراطية مكتبية، هل رأيتم مقاومة تقود من المكاتب ؟
التاريخ قال إن جيفارا ونصر الله وهواري بومدين وهوشي منه وكل الذين قاتلوا المحتل كانوا تحت الأرض أو في الجبال، والتاريخ قال أيضاً ليس هناك حركة تحرر تنقسم حد العظم قبل أن تستكمل التحرير وهذا وحده مدعاة للتأمل وحين انقسمت جرفت كل الفعل باتجاه القتال الداخلي وهذا فعل يصل حد الكارثة. في لحظة من لحظات التاريخ تصبح الأنظمة السياسية عبئاً على شعوبها هذا قبيل التغيير الأكبر كما حدث في الإقليم وحين تصبح كذلك لا بد أن ترحل في نظامنا السياسي توحد أو تعدد أو تجدد أو تبدد، فقد تعبنا الانتظار! .