موفاز ولقاء الرئيس عباس.
خيرا فعل السيد الرئيس عندما وضع شروطا على لقاء زعيم حزب كاديما و نائب رئيس الوزراء الاسرائيلي موفاز، و التي اهمها اطلاق سراح اكثر من مئة اسير فلسطيني من الذين مضى على اعتقالهم اكثر من عشرين عاما، و التي اصطلح على تسميتهم بأسرى ما قبل اوسلو. هكذا كان الامر ايضا عندما بذل نتنياهو كل ما يملك من جهد من اجل لقاء الرئيس عباس، ليس لشيئ و لكن فقط ليوهم العالم ان عملية السلام ما زالت قائمة و انه يبذل الجهود من اجل انجاحها.
ليس هناك اي امل ان يدفع نتنياهو اي ثمن حقيقي مقابل لقاءه او لقاء نائبه موفاز بالرئيس. لن يطلق نتنياهو سراح المئة و سبعه و عشرين اسيرا مقابل لقاء، ربما يطلق سراح واحد او اثنين بشكل رمزي من الاسرى القدامى او المرضى.
لن يقبل بوقف الاستيطان الذي اصبح من المسلمات في السنوات الثلاث الاخيره، و لن يقبل ان يتفاوض على اساس الانسحاب الاسرائيلي من حدود 67 بما في ذلك القدس الشرقية. اما حول المطلب الفلسطيني بأدخال السلاح فأن اسرائيل اعاقت ذلك حتى في ذروة العملية السياسية، ولكن من غير المستبعد أمكانية الاستجابة الى هذا المطلب بشكل جزئي. مع ذلك رغبة نتنياهو في لقاء الرئيس عباس تختلف من حيث الدوافع عن رغبة و ألحاح موفاز لعقد مثل هكذا لقاء. نتنياهو ليس في جعبته اي شيئ، و هو صريح في مواقفه التي يترجمها الى خطوات عملية على الارض، و التي اهمها ان لا سلام مع الفلسطينيين في الوقت الراهن، و تعزيز الاستيطان في كل مكان من الاراضي التي احتلت عام 67، و ما يريده فقط هو استمرار الحراك السياسي بحده الادنى للتخفيف من الضغوط الدولية التي تمارس عليه في بعض الاحيان.
موفاز يريد لقاء الرئيس لسببين رئيسيين :
اولا: يريد ان يبرر انضمامه الى حكومة نتنياهو ، حيث ان الغالبية العظمى من الاسرائيليين لم تصدقه او تصدق نتنياهو ان انضمام كاديما الى الحكومة و الغاء فكرة تقديم موعد الانتخابات كان من اجل مصلحة اسرائيل، بل ان الغالبية ترى ان السبب الرئيسي التي دفعت موفاز الى احضان نتنياهو هو الخوف من هزيمة ساحقة في الانتخابات . احد التبريرات التي ساقها موفاز هو ان انضمامه للحكومة كان من اجل تنشيط العملية السياسية مع الفلسطينيين. اصرار موفاز على لقاء الرئيس هو من اجل الايحاء ان وجوده في هذه الحكومة مُجدي .
هذا الامر ايضا يخدم نتنياهو دون ان يكون ملزماً بأي استحقاقات قد تتمخض عن هذا اللقاء. ثانيا: موفاز يؤمن بالدولة المؤقته، و ربما لهذا السبب ايضا يتردد الرئيس في لقاءه لرفضه المطلق لفكرة الدولة ذات الحدود المؤقته. موفاز يؤمن ان هناك امكانية لاقامة دولة فلسطينية على نسبة كبيرة من حدود الضفة ، و لكن بشرط ان يتم تأجيل البحث في موضوعي القدس و اللاجئين. موفاز ليس وحيدا في اسرائيل الذي يؤمن بفكرة الدولة ذات الحدود المؤقته، و ان كانت الدوافع مختلفه. هناك من يؤمن بدولة فلسطينية على حوالي خمسين بالمئة من اراضي الضفة لانه لس على استعداد ان يتنازل للفلسطينيين على اكثر من ذلك، خاصة في موضوع القدس و المستوطنات. هناك من يؤمن بفكرة الدولة ذات الحدود المؤقته كحل مرحلي في ظل عدم نضوج الظروف الاسرائيلية لتقديم تنازل اكثر من ذلك، و في نفس الوقت لادراكهم ان الفلسطينيين غير جاهزين لحل ممكن ، خاصة في موضوع اللاجئين. القيادة الفلسطينية، و بعد ما يقارب العشرين عاما من المفاوضات على اساس اعلان المبادئ في اوسلو يجب ان تصارح الشعب الفلسطيني بأن الاسس التي انطلقت على اساسها العملية السياسية لم تعد قائمة او خارج نطاق الخدمة.
يجب ان نعترف اننا فشلنا في تحقيق طموحات الشعب الفلسطيني و التي اهمها اقامة دولته المستقلة على حدود 67 و عصمتها القدس الشريف و حل عادل لقضية اللاجئين. يجب ان نصارح الشعب الفلسطيني باننا حاولنا التحايل على الاحتلال و على قرارات الشرعية الدولية و وضعنا جانبا عمقنا العربي و الاسلامي من اجل تحقيق هذا الهدف و لكننا فشلنا. و يجب ان نقر و نعترف ان لا امل في المستقبل المنظور ان يكون هناك تغيير في الموقف الاسرائيلي او تغيير في المعادلة الدولية التي تميل لمصلحة اسرائيل، و بالتالي علينا اتباع اساليب سياسية و نضالية مختلفة عما كان سائدا خلال العقدين الماضيين. اسرائيل لم تبقي من اعلان المبادئ و ما تبعه من اتفاقات سوى ما يخدم مصلحتها، و مشروع السلطة الفلسطينية الذي هو نتاج لهذه الاتفاقات تحول من مشروع مؤقت لفترة لا تتجاوز الخمس سنوات الى مشروع دائم اقل بكثير من الحكم الذاتي الذي نادى به ابو اليمين الاسرائيلي جابوتنسكي في سنوات الثلاثينات من القرن الماضي. فكرة اوسلو كانت قائمة على اساس المرحلية في حل الصراع و على اساس المفاوضات المباشرة بين الطرفين ، و على اساس الاعتراف بالحقوق و عدم تغيير الواقع على الارض خلال مرحلة المفاوضات التي تم تحديدها بفترة زمنية لا تتجاوز الخمس السنوات.
الذي تبقى من كل ذلك هو سلطة فلسطينية مشلولة سياسيا و تنزف اقتصاديا و مجبرة على تقديم استحقاقات امنية في ظل نشاطات استيطانية مجنونه و عربدة مستوطنين تستفز حتى قطاعات كبيرة من الاسرائيليين انفسهم. خيرا تفعل القيادة الفلسطينية عندما ترفض لقاء نتنياهو و موفاز او اي مسؤول اسرائيلي رسمي آخر دون ان يكون هناك ثمن واضح و مسبق لهذا اللقاء. اسرائيل تتجاهل وجود السلطة الوطنية الفلسطينية و منذ مطلع العام 2000 في كل ما يتعلق بخطواتها الامنية و الاستيطانية و السياسية، و عليه لا يعقل ان تكون القيادة الفلسطينية ملتزمة و ملزمة بأتفاقات و مخرجات اسرائيل نفسها لا تحترمها. الشعب الفلسطيني بحاجة الى استراتيجية وطنية جديدة غير مرتبطة بأتفاقات ليس لها وجود على ارض الواقع، و من غير المعقول التغني بعملية سياسية اسرائيل نفسها ليس فقط تنتهكها في كل لحظه بل تعتبرها ماتت منذ زمن. استراتيجية تعيد القضية الفلسطينية الى مكانها الطبيعي ، و هو الامم المتحدة و القانون الدولي و عدم الاستجابة لكل الضغوط ، خاصة الامريكية منها التي كل ما تريده هو ان تستمر هذه اللعبة التي اسمها عملية سياسية دون توقف.
يجب القول لللاسرائيليين و من قبلهم الامريكان بأن مبداء المفاوضات المباشرة بين الطرفين لم يكن صالحا و ليس لدينا استعداد للتمسك به اكثر من ذلك.