الشعب يريد مراقب دولة
في الدول التي تتمتع بشفافيه حقيقة في الحكم و لا تدعيها، هناك منصب رفيع و مهم اسمه " مراقب الدولة" . هذا المراقب الذي يتم انتخابه من قبل البرلمان مباشره حيث لا يكون هناك اي سلطات عليه من الجهات التنفيذية سواء كانت رئاسية او حكومية. تكون لديه الصلاحيات ان يطلع على اي وثيقة او مستند في اي دائرة ابتداء من مكتب الرئيس و رئيس الوزراء مرورا بكل الوزارات و المؤسسات التابعة للدولة بما في ذلك المؤسسات الامنية.
في هذه الدول المتحضرة التي تحترم شعوبها و تحترم قوانينها ليس هناك احد فوق القانون ابتداء من الرئيس حتى اصغر موظف. الجميع تحت طائلة المسائلة لكي يتم التأكد انهم يقومون بمسؤولياتهم على اكمل وجه و لا يستغلون مناصبهم او الصلاحيات التي منحت لهم في غير مكانها. ليس لديهم هناك احد على رأسه ريشه يفعل كما يحلو له، و فقط كل ما يحتاجه هو مجموعه من المنافقين لكي يجدوا له التخريجات الشكلية لتطويع القانون الذي هو جاء لحماية الناس وصون حقوقهم قبل ان يكون سيفا مسلطا على رقابهم. في اسرائيل على سبيل المثال، مراقب الدولة يتمتع بصلاحيات ممنوحه له من قبل الكنيست الاسرائيلي وفقا لقانون محدد تسمح له بمراقبة كل شيئ له علاقة بالشأن العام في الدولة دون ان يستطيع احد ان يعطل عمله، ليس فقط كل ما يتعلق في الرئاسة و الحكومة ، بل ايضا المؤسسات الامنية بكل ما في ذلك من حساسية بالنسبة لهم. الكنيست تنتخبه مباشره و هي التي تحدد له الموازنه و هو الذي يختار طواقم العمل من مهنيين و مختصين كل في مجاله.
لذلك نجد ان رئيس وزراء مثل رابين قد اضطر للاستقاله من منصبه في منتصف السبعينات لان زوجته فتحت حساب لها في سويسرا بخمس مئة دولار فقط، لم تسرقهم، بل لان القانون الاسرائيلي لا يسمح بذلك مما اضطر رابين لتحمل المسؤولية الاخلاقية و الاستقاله من منصبة.
لان هناك مراقب دولة و استقلال للقضاء نجد ان رئيس الدولة السابق موشي كتساف في السجن بعد ان حُكم عليه سبعة سنوات بتهمة التحرش الجنسي و الاغتصاب ولم يجد احدا يبحث له عن تخريجه لدى جهات الاختصاص لانقاضه، و قبله تم التحقيق مع مؤسس سلاح الجو الاسرائيلي عزرا وايزمن عندما كان رئيسا للدوله و اضطر لتقديم استقالته من منصبه لانه حصل على مبلغ نصف مليون دولار من رجل اعمال اعتبروها شكل من اشكال الرشوه. لهذا السبب ايضا تم التحقيق مع اولمرت عندما كان رئيسا للوزراء و اضطر لتقديم استقالته من منصبه، و من قبله تم التحقيق مع نتنياهو و باراك حيث لا احد لديهم فوق القانون او فوق النقد.
و هذا الامر ليس له علاقة برغبة المسؤول او سعة صدره او مدى شفافيته، هناك لا يعتمدون على حسن النوايا او المزاجية و لا يتركون مساحة للمسؤول ان يتصرف من منطلق احقاد او شخصنه للامور، هم يثقون فقط بقوة القانون و الاستقلال التام و الكامل للقضاء. مراقب الدولة الاسرائيلي يراقب ايضا اداء كل مسؤول ابتداء من رأس الهرم و حتى آخر موظف، يراقب آلية اتخاذ القرارات و التعيينات، خاصة للمناصب العليا، حيث هناك معايير واضحه و محدده غير مسموح تجاوزها من اي مسؤول حتى و ان كان الرئيس. هو يمتلك من القوه ما يكفي على اجبار الحكومة و قيادة الجيش الاسرائيلي من الغاء تعيين رئيس هيئة الاركان يوآف غالنت و اجبارهم على اختيار شخص آخر و ذلك لوجود بعض الشبهات التي تتعلق بالشفافيه و النزاهة. الشعب الفلسطيني ، خاصة في ظل غياب الرقابة التشريعية على عمل السلطة التنفيذية خلال الخمس سنوات الماضية مما ادى الى الاستفراد في الصلاحيات الى حد المبالغة في استخدامها بحاجة الى مراقب دولة فلسطيني يتمتع بكامل الاستقلالية، و لا يستطيع ان يؤثر عليه او يعطل عمله احد مهما كان منصبه.
الشعب بحاجة الى مراقب دولة فلسطيني لكي يفحص عمل كافة المؤسسات و الوزارات و الدوائر دون استثناء و بكل شفافيه . يفحص عمل القضاء و مدى استقلاليته و ما اذا كان هناك تأثير عليه او مماطله في تنفيذ قراراته. الشعب يريد مراقب دولة لفحص كيفية فتح ملفات فساد لاشخاص دون غيرهم و اذا ما كان هناك غض البصر عن اشخاص اخرين ام ان الجميع سواسيه امام القانون. يفحص ما يدور من اشاعات حول مشروعية عقد الصفقات و المساومات مع متهمين بالفساد قبل ان يتم اغلاق ملفاتهم. الشعب بحاجة الى مراقب دولة يعطي لنا اجابات و تفسيرات لعمل الجهاز القضائي ،و خاصة النائب العام اذا ما كان يقوم بعمله كما يجب ام انه يعمل وفقا لتعليمات لا يستطيع ان يقول لها لا. يفحص اذا كان تعيينه من قبل الرئيس بدرجة قاضي محكمة عليا ليرتفع راتبه الى الضعف و يرتفع سن التقاعد الى سن السبعين هو امر سوي ام يتناقض مع مبداء الشفافية و الاستقلاليه. الشعب يريد مراقب دولة ليفحص ما اذا كان القانون الاساسي الفلسطيني يتم تطبيقه في كل ما يتعلق بالتعيين في الوظائف العليا ام يتم اختراقه كل يوم بمرسوم. على سبيل المثال هل يتم احترام القانون الاساسي في تعيين السفراء في كل ما يتعلق بعملية الاختيار ، المؤهلات او سن التقاعد؟ مراقب الدولة المفترض ان يفحص تعيين ليس فقط كل سفير بل كل موظف في وزارة الخارجية.
على سبيل المثال القانون يقول ان اي موظف يتم تعيينه في وزراة الخارجية يجب ان يكون حاصلا على شهادة جامعية اولى و يعرف لغة اجنبية واحدة على الاقل.كيف عندما يتم تعيين سفراء لا يعرفون لغه و ليس لديهم شهادات جامعية. مراقب الدولة يجب ان يفحص كيف يتم احالة سفراء الى التقاعد وهم في ريعان شبابهم و ابقاء سفراء في مناصبهم و هم في خريف عمرهم . المراقب يجب ان يفحص اذا كان هناك اختراق للقانون بمرسوم في حال تعيين سفراء لفلسطين لدول يحمل السفير جنسيتها. بأختصار الشعب يريد مراقب دوله قادر على حماية الناس و حقوقهم و ليس حماية المسؤولين و عائلاتهم، حيث لن يحتاج الى الكثير من العناء و الجهد. فقط يحتاج الى الاستقلالية في عمله و التحرر من هيمنة السلطة التنفيذية لكي يكشف للناس الكثير من الحقائق التي يرونها بعيونهم الثاقبه.