المصالحة مع وضوح الرؤية

يصح أن نأخذ بِحُسن النوايا، وأن نتفاءل بالمصالحة. بالتالي، سنؤدي واجبنا في إلقاء الضوء على بعض الضرورات، الضامنة لنجاح المسعى. وليكن ما نقوله مجرد استشارات، إن لم نقل نصائح لا بد منها، قبل أن نتخطى العقبة الأولى، وهي الاتفاق على تشكيل حكومة التوافق، من مستقلين ذوي كفاءة وجدارة، تمهيداً لعملية انتخابية نستأنف بها المسار الديموقراطي. فما نحن بصدده، هو استعادة وحدة الكيانية الفلسطينية، التي نتوخى أن تنطبق عليها صفات الدولة. لأن العامل الاحتلالي أو العامل الإسرائيلي ـ الأمريكي، هو الذي يحول دون تحقيق الطموح الفلسطيني في بسط سيادة دولة فلسطين، على الأرض الفلسطينية في "الجزء المتاح لنا من الوطن" حسب تعبير شاعرنا أحمد دحبور. ومحسوبكم، هنا، لا يجتهد ولا يُنشىء شيئاً من عنده، وهو يعدد ويُذكّر بالشروط الضامنة لقيام الكيانية السياسية أو الدولة. فما نقوله، هو مما تعلمناه وعرفناه، في حقل نظرية الدولة، مشفوعاً بالمراجع المرموقة التي يستند اليها كل المهتمين بدراسة موضوعة أو أطروحة الدولة وآليات عملها!

على رأس أهداف هذه السطور، التنبيه مبكراً، الى ضرورة الذهاب الى وحدة الكيانية الفلسطينية، محمّلين برؤية لما نريده من الوفاق الوطني، وليس مشحونين بنوايا وعزائم التهيؤ لمباراة انتخابية ضارية، من شأن نتيجتها أن تسفر عن صراع جديد، على قاعدة أن كل طرف، لا يطيق الشراكة مع الآخر، وأن نتيجة المباراة التي يتوقعها لنفسه، ستُقصي الطرف الآخر، وتحقق له الغلبة، وتؤكد على أسبابه التي يرى من خلالها عدم أهلية الطرف المغلوب، في الاستحواذ على أي حق من حقوق العمل الوطني العام، وبالتالي تدفعه لممارسة الإكراه عليه بقوة الإرغام الأمنية، بما يخالف القانون والوثيقة الدستورية!

وإن بدأنا بعقبة التوافق على التشكيلة الحكومية، نقول ما لنا وما علينا. فلا ينبغي أن تضم التشكيلة، عضواً كان له موقف مُعلن في الخصومة، أو عمل مع أحد الطرفين أثناءها، ولا بد أن يكون ذا اختصاص، ومُنـزّه عن شبهات بالفساد، وأن يتمتع بخُلق قويم. ولا يكفي في هذا المُقام، أن لا يكون من "فتح" أو من "حماس" أو من أي فصيل. فقد تعلق بطرفي الخصومة انتهازيون استفادوا منها وفق حساباتهم الشخصية. وهناك مستقلون اقتربوا من هذا الطرف أو ذاك، لكنهم حافظوا على موضوعيتهم، ولم يخوضوا في سجال. أمثال هؤلاء يمكن النظر في تنسيبهم للحكومة، لأن صحيفة سلوكهم، وطبيعة المهمة الجديدة، تضمنان نزاهتهم، وذلك على قاعدة أن الفلسطيني ليس مستقلاً مئة في المئة، ويصعب أن نجد مستقلين من الشخصيات بهذه النسبة.

ويتمنى واحدنا، أن لا يؤخذ أمر الحكومة، وكأنه محاصصة لمواقع المسؤولية، التي يطول أمدها. وكلما اتضح أن هناك صعوبة في الاتفاق على التشكيل، يكون المعنى الضمني، أن الطرفين يتصرفان على افتراض أن الحكومة الانتقالية ماكثة لسنين، وأن صعوبات جديدة ستنشأ لكي تتخطى سقف زمنها!

وبالتوازي مع عملية التشكيل، وكذلك بعدها، لا بد من التوافق على طبيعة عمل الحكومة الانتقالية، بحيث يُحسم الأمر الأهم والأكثر حساسية في مسألة وحدة الكيان السياسي، وهو توفير شرط احتكار القدرة على ممارسة الإرغام، نيابة عن المجتمع ولمصلحته، وبالقانون، لهذه الحكومة حصراً. فالكيان السياسي، له ملمح أو شرط أساس، لكي يؤدي وظيفته، وهو امتلاكه لحق ممارسة الهيمنة ولأدوات ممارسة هذا الحق، بحيث لا تعلو قوة فوق قوته. فالكيان الوطني، في إقليمه الجغرافي، يكون بمثابة التنين Leviathian حسب تسمية الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز، في القرن السابع عشر!

أما الحكومة التي تواجه في كل منطقة تنيناً، فإنها لا تكون حكومة مسؤولة عن مجتمع أو عن كيانية، يُفترض أنها تأخذ بيد الشعب والحركة الوطنية الى وضعية الاقتدار والديموقراطية والطمأنينه. ثمة نقاط أخرى، من مستلزمات الذهاب الى مصالحة ناجحة، سنأتي على ذكرها. وللحديث صلة!