تداعيات مجزرة الحولة
كشف نظام بشار الاسد عن غباء سياسي وعدم فطنة، عندما افترض عدم قدرة قوى الثورة حتى الان على الاطاحة به؛ ولقناعته ان القوى الدولية ليست مستعدة للدخول في حرب كسر عظم معه لتصفية الحساب وتغييره لاكثر من اعتبار واعتبار ليس فقط لان روسيا الاتحادية والصين الشعبية تقف الى جانبه، وغير مستعدة حتى الان للتخلي عنه ما لم تقبض الثمن، وانما لاسباب تتعلق بقراءة القوى الدولية الاخرى للمشهد السوري؛ وايضا شعور النظام بان مؤسسته الامنية وخاصة الجيش السوري مازال متماسكا، ولم ينفرط عقده رغم كل الانشقاقات المتناثرة هنا وهناك. لهذا ذهب النظام السوري بعيدا في غيه ووحشيته ضد الجماهير السورية وضد القوى المعادية له في لبنان وغير مكان.
دون ان يدرك او يحاول ان يناور تكتيكيا للالتفاف على الحالة الثورية السائدة والرأي العام العربي والدولي لتفكيكها من خلال تقديم تنازلات ولو شكلية على مقاس نظامه للخروج من عنق الزجاجة. مفترضا ان العالم مازال يعيش في مرحلة الثمانينات من القرن الماضي عندما نفذ مجزرته البشعة ضد مدينة حماة وقتل من ابنائها حوالي (30,000) مواطن بريء.
لم يدرك النظام السوري، ان الحالة الثورية السورية لم تتراجع ولم تهزم اولا رغم عمق الانقسام بين صفوف قواها المختلفة؛ وثانيا مؤسسته العسكرية رغم التماسك الشكلي حتى الان، إلآ انها تعيش لحظة مخاض عشية الانفجار في وجه النظام، وثالثا تزداد حالة الحصار التي يعيشها النظام عربيا واسلاميا ودوليا؛ وتتضاعف عملية الخنق الاقتصادي والسياسي على اكثر من مستوى وصعيد؛ ورابعا عدم ادراك بشار وبطانته العائلية ان النظام لم يعد نظاما شاء ام ابى، اراد او رفض، وكل عمليات الترقيع التي احدثها باءت بالفشل، وكشفت هشاشة عظام اقدام النظام، حتى لم تعد قادرة على حمل الرئيس وشقيقه وباقي ابناء عائلته. من هنا جاءت مذبحة بلدة الحولة القريبة من مدينة حمص، التي ذهب ضحيتها (108) شهداء بينهم (32) طفلا، التي استحوذت على استنكار وادانة الشعب السوري والقوى العربية والدولية، وادت الى طرد العديد من السفراءوالديبلوماسيين السوريين من دول العالم :اميركا ، المانيا ، بريطانيا، فرنسا ، سويسرا، اليابان، هولاندا، وتركيا، واسبانيا ... الخ
ودخول عملية حصار النظام السوري مرحلة جديدة على المستوى الدولي، حتى ان روسيا لم تتمكن من الهروب من ادانة المجزرة، وان حاولت تحميل المعارضة والنظام على حد سواء نتائج المذبحة. مجزرة الحولة عمقت عزلة النظام السوري، واكدت للقاصي والداني، ان النظام فقد القدرة على ضبط اعصابه، واراد ويريد ان يصفي حساباته بسرعة البرق مع خصومه واعداءه من قوى الثورة والشعب في سوريا والقوى العربية عموما وفي لبنان خصوصا؛ كما واكدت انه (بشار) يدفع سوريا نحو الهاوية والحرب الاهلية، إنطلاقا من مقولة " علي وعلى اعدائي يارب!"
ولا يريد ان يفهم للحظة، ان من مصلحته ومصلحة سوريا إن كانت لديه ذرة ايمان بسوريا التي اعطته واعطت عائلتة على مدار اكثر من اربعين عاما، ان يترك سوريا لخيارها الديمقراطي، لحماية الوطن السوري، الذي تتربص به قوى معادية كثيرة بدءا من اميركا واسرائيل وايران والقاعدة وكل من لف لفهم. تخندق بشار الاسد في مربع الجريمة والمجزرة والجلوس على جماجم الشعب السوري للحفاظ على كرسي الرئاسة العائلي، يسارع في تدحرج سوريا العروبة نحو الحرب الاهلية، لان هناك قوى لها مصلحة اسوة بالنظام بدفع الامور نحو الحرب. لذا على قوى الثورة السورية في الداخل والخارج ، اعادة نظر في سياساتها واليات عملها وعلاقاتها ببعضها البعض، والعمل على توطيد وحدتها على اساس برنامج اجماع وطني اولا الاتفاق على اسقاط النظام، وثانيا اقامة دولة مدنية ديمقراطية لكل كمواطنيها، وثالثا تشكيل جمعية تأسيسة لاعادة صياغة الدستور بما يتوافق ومصالح الشعب، ورابعا اجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، وخامسا حماية وحدة البلد والدولة، والحؤول دون اية بروز نزعات طائفية او مذهبية تمس بوحدة الارض والشعب والثقافة والشخصية الوطنية السورية ؛ وسادسا بناء اقتصاد وطني يعتمد التنمية المستدامة والتخطيط وعلى قاعدة التكامل بين اقتصاد السوق والقطاع العام ... الخ
وما لم تعيد قوى الثورة اليات عملها ستبقى تراوح مكانها حتى لو تلاشى نظام بشار الاسد، ليس هذا فحسب، بل انها بعد سقوط النظام قد تدخل في حروب فيما بينها. وهذا ليس في مصلحة سوريا والشعب السوري . سوريا بعد مجزرة الحولة غيرها عما كانت عليه قبلها، لانها شكلت نقطة انعطاف في مسار الثورة والقوى العربية والدولية الداعمة لها، ولم يعد للنظام السوري الاسدي مكان في المشهد السوري والعربي والدولي، لذا على دمشق العاصمة وحلب المدينة الثانية ان تتحملا مسؤلياتها في دق آخر المسامير في نعش النظام المتهالك.