المصالحة ..على هذا الأساس
أغلب الظن، إن مجموعة عناصر قد توافرات، فدفعت "حماس" بالغريزة، إن لم يكن بالإدراك؛ الى استجابة ربما تكون جادة ـ هذه المرة ـ لمسعى المصالحة الوطنية! أولى هذه العناصر، أن الحركة الأصولية، أدركت حقيقة الضعف الكياني الفلسطيني أو الداخلي عموماً، الذي مكثت أو اختصت نفسها عدة سنوات، بمساحة منه، بحجم قطاع غزة، فمارست أقصى درجات العنفوان اللفظي في أوقات البؤس. وربما تبدّد لدى الحركة، وهم القوة المزعومة، والاعتداد المجوّف بالنفس، الذي لم يعد أمامه سوى الطريق الآثم، الذي لن تقبله قاعدة "حماس" ولا غيرها، وهو مواجهة انفجار المجتمع في مساحتها، بغلاظة، ومنازعة الناس بالقوة.
ثاني هذه العناصر، هو الانهيار البليغ، لمنظومة التساند التي عوّلت عليها الحركة، عندما انتجت ساحاتها، نزاعاً أهلياً في سورية، واحتقاناً قابلاً للانفجار في لبنان، فيما إيران تواجه رياحاً محملة بغضب محيطها، من جراء موقفها من الثورة السورية، مع عدم قدرة زعامات "حماس" على مخاصمة العمق العربي، حفاظاً على منظومة، تنهار من تلقاء نفسها! ويتلخص العنصر الثالث، بإدراك الحركة الأصولية، لحقيقة أن سقف توقعاتها في أحسن النتائج، لانتخابات الرئاسة المصرية بالنسبة لها؛ لن يتيح لها انتعاشاً سياسياً وعسكرياً، يقوم على تصورات رغبوية، خارج شروط هذه اللحظة من التاريخ، وما فيها من وقائع القوة وموازينها. فبعد الإعلان عن نتيجة الانتخابات المصرية، يصبح لزاماً على "حماس" أن تكف عن إحساس كان طاغياً، يصطبغ بالفرادة والتميّز والاستثناء "الجهادي" وعن إنكار حال الضعف الفلسطيني والعربي في هذه البرهة، وأن تتكيف مع الحقائق الموضوعية، وأن تحقق لنفسها استفادة مشروعة (حين تكف عن الإنكار وأن تتكيف) قوامها الانخراط في عملية بناء، لعناصر العافية والوحدة، في المجتمع الفلسطيني، وفي الكيانية الوطنية، والرهان على سيرورة تاريخية ليس لها ميعاد. وحين تطرح "حماس" أو سواها، أن فلسطين هي مهوى الأفئدة ومقصد المؤمنين الى قيام الساعة، لن يختلف معها الوطنيون من كل مَشرب!
* * *
آمل أن تكون هذه العناصر، حاضرة في ذهن "حماس" وأن تلازم خُطاها عند التنفيذ، وأن تعلم منذ الآن، أن الحرف الأول من درس قيام الكيانات الراسخة والمهابة، هو أن لا يتشارك فريق من الناس، مع السلطة الواحدة الوطنية، مهمات حمل السلاح، للمقاومة أو لأمن المجتمع. كما يتوجب أن تدرك "حماس" منذ الآن، استحالة الاشتراط في التفاصيل، بدافع الوهم بأنها الطرف الغالب، لكي تفرض على السلطة الوطنية، تحميلها عبء جهازها الإداري، بمفرداته التي بلا مسوّغات طبيعية، وبأكلافه المالية التي لا موارد متاحة لتلبيتها. ذلك لأن مثل هذا التحميل، لا تجيزه القراءة الصحيحة والمحايدة، لكل ما جرى، ولا تقوى عليه السلطة! على هذا الأساس، يمكن لعملية الوفاق أن تنجح، وأن يربح الطرفان والكل الوطني، حتى وإن كان التنفيذ بطيئاً، وسيكون مثمراً، ما أدركته "حماس" من نقاط أو عناصر جعلتها تستجيب لمسعى المصالحة!