المصريون ينتخبون رئيس العرب!

يتوجه المصريون اليوم إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيس لهم، بل رئيس لكل العرب، فالرئيس القادم، أياً كان، ومن أي تيار قادم ومن أي اتجاه آتٍ، فقدره، كقدر مصر، هو رئيس لكل العرب، حتى لو رفض بعض العرب ذلك، فالأمر لا يتعلق بالرغبات والتطلعات، وإنما بقدر المسؤولية التي تتحملها مصر العربية والتي تصدت لها في الاطار العربي عبر العقود السابقة، كان العرب أكثر قوة ومنعة، عندما كانت مصر قوية وفاعلة، وانحدر العرب وقضاياهم وتطلعاتهم ورؤية العالم لهم، عندما كانت مصر ضعيفة هشة، فمصر ليست مجرد أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان (82 مليون نسمة) بل ان مصر، منبع الحضارة الإنسانية والتاريخ العريق، جوهرة المنظومة العربية ورافعة كل ما حققته هذه المنظومة على الصعد السياسية والاقتصادية والثقافية والفنية، وهي التي جندت نفسها ومواطنيها الأكفاء، منذ فترة التحرر الوطني في الخمسينيات، ليس فقط لدعم قضايا التحرر العربية، من الجزائر والمغرب غربا إلى اليمن وظفار شرقاً، بل ما كان لعجلة التنمية على كافة المستويات من دون جيش المدربين والمهندسين والأطباء والإعلاميين والمثقفين الذين أسهموا مساهمة رئيسة وجوهرية، في تنمية شعوب هذه المنظومة، في فترة سبقت اكتشاف الثروة النفطية وشراسة القوة المالية، فما كان للنفط وحده أن يصنع حضارة وتنمية، من دون جهد الكفاءات المصرية أساساً ولنا في دول نفطية عديدة مثال على أن القوة المالية وحدها، ليست كافية لتنمية حقيقية وجدية. وعندما تراجعت مصر، من خلال تراجع النظام السياسي، حاولت أنظمة عربية عديدة أن تملأ الفراغ، ورغم امتلاك هذه القوى لكل عناصر القوة المادية، إلاّ أنها افتقدت في الواقع عناصر القوة المكانية لملء هذا الفراغ، والمتمثل أساساً بقوة القدرة البشرية، ليس عددياً فحسب بل كفاءة وقدرات أدوات هذه القوة، ورأينا كيف أن محاولات ملء الفراغ، والاستيلاء على الدور المصري في لحظة ضعف هذا الدور، استبدلت دور الأم الرؤوم الذي لعبته مصر، بدور "الضرة" الذي لعبته هذه القوى الهجينة المفتعلة.

إن من يختاره المصريون اليوم، رئيساً لهم، سيلعب دوراً كبيراً، سواء لجهة استعادة مصر لدورها التاريخي على الأصعدة كافة وعلى الأخص دورها العربي الرائد، أو العودة إلى الوراء بمصر وبعروبتها، ورغم أن الشعب المصري نجح في ثورته العملاقة باقتدار كبير في الخامس والعشرين من يناير/ كانون الثاني العام الماضي، فإن ذلك ليس كافياً للعبور بالثورة إلى المستقبل، ذلك أن أدوات التخلف والتعسف والانغلاق لا تزال سائدة لدى العديد من القوى التي لا تثق إلاّ برؤيتها وببرامجها الخاصة، مستفيدة من عقود من الفساد والتخلف، والأهم من ذلك، فإن هذه القوى استفادت كونها لم تكن في السلطة، وبالتالي ظهرت للمواطنين على خلاف السلطة القائمة، وكأنها أقل فساداً، حيث إنها لم تجرب وهي في موقع المسؤولية، مع أن إشارات كافية، قد صدرت عن هذه القوى، تكفي للإشارة إلى أن موقعها في السلطة سيحكم على مدى ما لشعاراتها من قدسية كاذبة ومنافقة، فهناك عودة عن الشعارات السياسية وتقرب من خصوم وأعداء الأمس، كلما اقتربت هذه القوى من الإمساك بالسلطة، ابتعدت عن شعاراتها تحت عنوان "المراجعة".

إن هيمنة مثل هذه القوى على موقع القرار التنفيذي والتشريعي، سيكون من شأنه إضعاف الوضع الداخلي المصري، وتزايد حدة الاستقطاب، وإخضاع السياسة والاقتصاد إلى التجريب، وربما يدفع هذا الأمر، إلى مزيد من تآكل القدرات المصرية في النزاعات السياسية الداخلية، مثل ذلك إذا حدث، فإنه يجعل جمهورية مصر العربية أكثر عرضة للفتن الداخلية، وأقل حصانة أمام ما يهددها من أخطار، وبقول أكثر وضوحاً، فإن وصول مصر إلى هذه الحال، من شأنه إضعافها بحيث لا تقوى على أن تشكل القوة الكافية لقيادة المنظومة العربية نحو المستقبل، ما يوفر للقوى الطفيلية فرصة التصدر لهذا الدور الذي لم يكن ولن يكون على مقاسها أو قدراتها. وقبل ساعات من بدء العملية الانتخابية للرئاسة المصرية، فإن هناك إشارات كافية تدل على أن الناخب المصري سيتعامل بطريقة مختلفة عما كان الأمر عليه عند الانتخابات التشريعية، ما أوصل التيار الإسلامي والأصولية الإسلامية إلى أغلبية البرلمان بغرفتيه: الشعب والشورى، ويشار بهذا الصدد إلى أن ثلثي المصريين الذين انتخبوا هؤلاء، لم يفعلوا ذلك لأسباب أيديولوجية أو دينية، بل لأنهم كانوا الأكثر تنظيماً، والبعد عن الفساد لبعدهم عن السلطة في ظل غياب للتيارات المنافسة، أما وقد اصبحوا في قيادة السلطة التشريعية، من دون أن يظهر أنهم استطاعوا تلبية احتياجات ومطالب الناخبين خلال تلك الفترة الفاصلة بين انتخابات البرلمان والانتخابات الرئاسية، فقد ظهر جلياً سوء الأداء وقلة الخبرة في التعامل مع المسائل الخارجية والداخلية.

ورغم قدرات التيارات الإسلامية على التنظيم والحشد، إلاّ أن الإرباك ساد هذه الأوساط في الأيام الأخيرة التي سبقت يوم الانتخابات الرئاسية، ولعل صدور بعض التصريحات من قبل بعض قيادات هذا التيار من أن مرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي، هو "اختيار من الله" ما يؤكد ما وصل إليه هذا التيار من إرباك، وزاد من قوة هذه الإشارة على الإرباك، تلك التهديدات التي صدرت قبل ساعات من فتح صناديق الاقتراع، من أنه في حال فوز "شفيق" فإن هذه القوى لن تعترف بالنتائج وانها ستنزل في ثورة إلى الشارع، ما يشير إلى سذاجة الادعاء بأن مرسي هو من اختيار الله، والأهم هنا الإشارة الواضحة إلى مدى تمسك هؤلاء بالديمقراطية التي يركبون موجتها للوصول إلى سدة الحكم، فإذا نجحوا رفعوها شعاراً، وإذا فشلوا تصدوا لها واعتبروها خروجاً عن الدين.

وأياً كان الأمر، فنتطلع ـ نحن العرب ـ إلى نوابنا الناخبين المصريين في اختيار رئيسهم ورئيسنا، لكني لو كنت مصرياً، لانتخبت "واحد منا"، حمدين صباحي!