أين أخفقت الحركة الأسيرة؟!
كما كان متوقعاً، أثارت مقاومة وفعالية "الأمعاء الخاوية" ونجاحها في خضوع القيادة الإسرائيلية لمعظم اشتراطات الأسرى، الكثير من ردود الفعل الداخلية في إسرائيل، الأمر الذي شكل أول اختبار مهم لحكومة الوحدة الوطنية المشكلة حديثاً، رئيس قائمة الليكود في الكنيست داني دانون، اعتبر أن استسلام إسرائيل أمام الأسرى، "ما هو إلا أحد أهم أشكال الخضوع للإرهاب ومكافحة للإرهابيين سيعزز قدرتهم على المواجهة معنا" مدعياً أن السجون الإسرائيلية ستتحول إلى "مخيم صيفي للأسرى" وأن الآتي أعظم حيث ستصبح إسرائيل أكثر عرضة للابتزاز من قبل الفلسطينيين.
ميخائيل بن آري، عضو الكنيست عن حزب الاتحاد الوطني، اليميني المتزمت، اعتبر أن يوم التوقيع على الصفقة مع الفلسطينيين حول الأسرى، هو "يوم أسود على إسرائيل التي خضعت للإرهاب" ولعل في حديثه هذا الكثير من الصدق والصحة، فقد حاولت إسرائيل، كما تبين بعد التوقيع على الاتفاق بشأن الأسرى، أن تنجز هذا الأمر قبل إحياء الفلسطينيين ليوم النكبة، خشية من تداعيات الفعاليات المصاحبة والضغط أكثر على مسألة الأسرى، خاصة وأن هناك تهديدات سابقة بثورات عديدة على حدود الدولة العبرية، ويقال بهذا الصدد، أن إسرائيل عمدت إلى التوصل إلى هذا الاتفاق، قبل الموعد، ونجحت فعلاً في ذلك مع أن الأمر قد تم قبل ساعات قليلة من إحياء الفلسطينيين ليوم النكبة.
إلا أن الدافع الإسرائيلي وراء عدم تلازم الاتفاق مع الإحياء ليوم النكبة، ربما يذكرنا بأن إسرائيل كانت تخشى من يوم 15/5 هذا العام، وقد أعدت له كل إمكانيات المواجهة على حدودها في الشمال كما في الجنوب وأعلنت عن سيناريوهات علنية وأخرى سرية للمواجهة مع الربيع العربي الزاحف فلسطينياً عبر الحدود، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث، وإسرائيل نجحت في استغلال إضراب الأسرى، لتحويل إحياء يوم النكبة إلى هامش الأحداث، وبالفعل مر هذا اليوم، وهذه الذكرى، كأي يوم آخر ومن دون أن تشهد حدود الدولة العبرية أي ربيع عربي الذي ظل حبيساً للشوارع والميادين، لكن خارج حدود الدولة العبرية، ودون أن يشكل أي تهديد من أي نوع لها، قد تستطيع أن تسمع الزمجرات والهتافات والتظاهرات والتحشدات، وهي أكثر اطمئناناً إلى أن الأمر، كالعادة، لن يتعدى ذلك!
إلاّ أن عجز إسرائيل عن إنهاء إضراب الأسرى، من دون تلبية اشتراطاتهم، سيشكل هزيمة يجب عدم التقليل من أهميتها على ضوء ما تعودت إسرائيل من تحقيقه من إنجازات، وللتخفيف من هول هذه الهزيمة، تقول حكومة نتنياهو إنها لم ترضخ لكل مطالب المضربين الأسرى، خاصة ذلك المطلب المتعلق بالسماح لهم بمتابعة تعليمهم داخل أجنحة وزنازين السجن، كما أن توقيع الأسرى على بند عدم ممارسة العمل العسكري من داخل السجون، يشكل انتصاراً للمفاوض الإسرائيلي، وكأن الأسرى خلف القضبان، كانوا وما زالوا يقودون العمل العسكري عبر الحدود والأجواء، كل ذلك في محاولة يائسة للتقليل من حجم الإنجاز الكبير الذي حققته ثورة الأسرى حول إنهاء كافة إجراءات العزل في الزنازين الانفرادية، والسماح لأهالي الأسرى، خاصة من قطاع غزة بزيارة أسراهم في السجون والمعتقلات الإسرائيلية، وكذلك إنهاء تطبيق قانون شاليت وتوفير بعض وسائل الراحة والرياضة والطعام والاتصال بالمحامين، والأهم من ذلك كله، إنهاء مسألة التجديد في الاعتقال الإداري والذي استغلته إسرائيل لإبقاء آلاف السجناء خلف القضبان إلى أجل غير مسمى من دون أية محاكمة أو تهم محددة، وللتذكير، فإن هذا الأمر تحديداً، كان وراء الشرارة التي أدت إلى اللجوء إلى الإضراب.
وإذا كانت حكومة نتنياهو، قد خشيت من تلازم إنهاء إضراب الأسرى بعد الاستجابة والخضوع لمعظم مطالبهم، مع إحياء يوم النكبة، فإن واقع الأمر يشير إلى أن ذلك لم يكن في محله، إذ ان هذا التلازم، قد أدى كما أشرنا إلى التركيز على قضية الأسرى ومتابعتها لحظة بلحظة خشية من انعكاس نتائجها المحتملة على مجمل الوضع على كل المنطقة، إحياء ذكرى النكبة ظل تقليدياً ومرتكزاً على المسيرات والمواجهات في رام الله وبيت لحم، ومناطق أخرى في الضفة الغربية، وكذلك في مناطق 1948، ومع ذلك، ظلت قضية الأسرى في مركز الاهتمام والتحرك الأساسي، مع ذلك، فإن اليوم الأسود لإسرائيل الذي تحدث عنه بعض نواب الكنيست، يعكس شعوراً متلازماً، بأن يوم النكبة في ذكراه، كان، وللمرة الأولى وبشكل أكثر وضوحاً يوماً أسود لإسرائيل، وذلك لنجاح الأسرى في إخضاع حكومة نتنياهو لمعظم مطالبهم.
كان يمكن أن تهدينا الحركة الأسيرة، في ذكرى إحياء يوم النكبة، ما هو أكثر من يوم أسود لإسرائيل، وهو يوم أبيض للحركة الوطنية الفلسطينية، سبق للحركة الأسيرة أن أهدت الشعب الفلسطيني وقواه الحية المناضلة، وثيقة الوفاق الوطني، التي باتت مرجعاً وحدوياً لكل من يتوق إلى وحدة الصف الفلسطيني، كما أهدتنا هذه الحركة الأبية الثقة بأن الشعب الفلسطيني، رغم كل ما يحيط به من مآس وأزمات، ما زال قادراً على إلحاق الهزيمة، بين وقت وآخر، بالمحتل الإسرائيلي، لكن ما أخفقت به الحركة الأسيرة، عجزها عن ثني أصحاب المواقف الفئوية والمصالح المعنوية والمادية الضيقة عن الاستمرار في وضع العراقيل أمام المصالحة الوطنية، أخفقت الحركة الأسيرة، حيث لا ينبغي أن تخفق في أن تشكل ضاغطاً موضوعياً لإنهاء الانقسام، تراجعت إسرائيل بفضل صمود الحركة الأسيرة، إلاّ أن القوى الفلسطينية المعرقلة للمصالحة ظلت على موقفها المعرقل والمتشبث بمصالحها المتعارضة والمتناقضة مع المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني.