حكومة الوحدة: ممكنة في إسرائيل، مستحيلة في فلسطين

رغم أن حكومة الدكتور سلام فياض الثانية مستقيلة منذ شباط من العام الماضي، إلا أن إعادة تشكيلها، ارتبطت بالتطورات المرتبطة بملف المصالحة الداخلية، والجميع يذكر أن فياض قدم استقالة حكومته قبل نحو خمسة عشر شهراً، بعد أن ارتفعت عقيرة عدد من قادة حركة فتح، متهمة إياه بأنه العقبة في طريق المصالحة، ذلك أن حركة حماس، كانت "تصر" على رئيس حكومة مقرب منها، وجميع من تابع تلك الفترة يتذكر حتى الأسماء التي كانت مقترحة بين رئيس وفدي "فتح" و"حماس": عزام الأحمد وموسى أبو مرزوق.

أجواء "التقارب" بين قيادتي "فتح" و"حماس"، كانت على حساب إقصاء أو إبعاد قادة آخرين من الحركتين، دحلان هنا والزهار هناك، وإنجاز المصالحة بالكامل كان من الواضح أن رئاسة فياض للحكومة كانت ستكون ثمنه، الذي لم يكن الرئيس أبو مازن قادراً على دفعه قبل الذهاب للأمم المتحدة في أيلول، حتى لا يخسر تأييد الأوروبيين لمشروع القرار الفلسطيني في المنظمة الدولية.

ربما يسجل في التاريخ أن الواقع الفلسطيني شهد أغرب حكومتين، واحدة مقالة منذ أكثر من خمس سنوات، وما زالت "قائمة" تمارس سلطتها على جزء من الوطن الفلسطيني، وحكومة مستقيلة، وتستمر في تصريف الأعمال أكثر من خمسة عشر شهراً، والسبب طبعاً هو تعثر جهود إنهاء الانقسام، التي تحولت شيئاً فشيئاً إلى جهود للمصالحة وإدارة واقع الانقسام، بما حال دون استمرار "العراك" السياسي والميداني بين حركتي فتح وحماس والضغط على أنصارهما في كل من قطاع غزة والضفة الغربية!

من الناحية الفنية وحتى القانونية، فإن تعديل حكومة فياض الثانية، والذي ربما يسمح لنا بوصفها بعده بحكومته الثالثة، هو أمر واجب وضروري ولابد منه، أما من الناحية السياسية، فهو إقرار صريح بفشل إعلان الدوحة ومن قبله اتفاق القاهرة، في تنفيذ المصالحة وإنهاء الانقسام، وبذلك فإنه واحد من جملة عوامل تدفع الفلسطينيين، مواطنين وفصائل إلى معاودة الضغط الميداني على حركتي فتح وحماس للاستجابة إلى المطلب الوطني بوضع حد لمهزلة استمرار الانقسام، ولعل هذا ما دفع بعض الناطقين باسم "حماس" إلى الإسراع باعتبار الخطوة، طعنة لجهود المصالحة، وكأن المصالحة كانت في طريقها الصحيح، أو أنها اقتربت من النهاية!

يمكن القول في التعديل الحكومي بعد نشر التعديلات المقترحة بأنها ليست جوهرية، كما كان حال التعديل الثاني، قبل نحو ثلاثة أعوام، ففي ذلك التعديل شاركت "فتح" بقوة وكذلك شاركت قوى سياسية (فدا والديمقراطية والنضال الشعبي)، هذا التعديل لن يغير عملياً من المحتوى السياسي للحكومة، لكنه مع ذلك سيشهد أهم تعديل له بنزع وزارة المالية من يد الدكتور فياض، هذه الحقيبة التي تولى مسؤوليتها منذ نحو عشر سنوات، وكانت سبباً مباشراً لتحقيقه مكانة سياسية مركزية، جرت عليه كثيراً من التحفظ الفتحاوي!

والتعديل يعيد قوة للرئيس عباس، بعد جملة من الإخفاقات، إن كان على صعيد المعركة الدبلوماسية، أو جهود المصالحة أو حتى مكانته الداخلية، التي بدت تواجه تحديات عديدة، مست التحالف الذي يقف وراءه، وقد ظهر ذلك جلياً، في توجيه رسالته إلى نتنياهو!

مجمل القول، إن الفلسطينيين أخفقوا في تشكيل حكومة توافق وطني بعد مرور أكثر من خمس سنوات على تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الحادية عشرة، التي أعقبت اتفاق مكة في شباط 2007، وبالمقابل، ولأن هذا العام يعتبر في نظر كثير من المراقبين، عاماً انتقالياً، في انتظار ما ستسفر عنه انتخابات الرئاسة الأميركية، فان إسرائيل نجحت مجدداً في تشكيل حكومة وحدة وطنية، سيظفر من خلالها نتنياهو بأقوى ائتلاف حكومي تمتع به رئيس حكومة إسرائيلية على الإطلاق.

وإذا كان الاتفاق على إقامة حكومة وحدة وطنية إسرائيلية جاء، بعد إزالة العقبة المتمثلة في رئاسة تسيفي ليفني لحزب كاديما المعارض، وبعد تهديد نتنياهو بإجراء انتخابات مبكرة، سيكون فيها "كاديما" هو الخاسر الأكبر، مما دفع شاؤول موفاز للموافقة على ما سبق ان رفضته ليفني بعد الانتخابات السابقة التي جرت قبل ثلاث سنوات، فانه يمكن القول إن حكومة إسرائيلية قادمة قوية يمكن أن تحقق أمرين معاً: هما شن حرب إقليمية تعيد الدور الإسرائيلي "المقرر" في المنطقة، والذي تراجع كثيراً بعد التدخل الأميركي المباشر في الحرب على العراق، وبعد انطلاق الربيع العربي، كذلك القدرة على فرض الحل السياسي للملف الفلسطيني، قبل أن تستعيد المنطقة العربية أنفاسها وتجد إسرائيل نفسها أمام متغير أصعب عليها كثيراً من الوقت الحالي.

حكومة تحالف اليمين والوسط الإسرائيلي القوية، ستكون قادرة على اتخاذ قرارات مصيرية، وهي ستعيد اليمين العلماني ( الليكود وكاديما الذي كان قد خرج من عباءته أصلاً) إلى قيادة شبه مطلقة لإسرائيل، دون تأثير اليمين المتطرف أو اليسار أو الأحزاب الدينية.

ومع استمرار الانقسام الفلسطيني، ومع حكومات عربية جديدة، إسلامية، وبعد سقوط نظام الأسد، وإسقاط نظام الملالي في إيران أو على الأقل شل قدرتهم على التأثير على حل سياسي مقبل، سيكون نتنياهو / موفاز قادرين على "فرض" حل سياسي إقليمي على الفلسطينيين، وبهذه المناسبة ربما يكون ضرورياً، إخراج تصور موفاز للحل في الضفة الغربية من الأدراج!

السؤال المفجع أخيراً هو لماذا ينجح الإسرائيليون في تشكيل حكومة وحدة وطنية رغم أن حكومة نتنياهو الحالية، نجحت في احتواء كل شعارات باراك اوباما التي أطلقها قبل ثلاث سنوات في خطابه من القاهرة، للعالم الإسلامي، ووعده بان يشهد العام 2009 ميلاد الدولة الفلسطينية، في حين يفشل الفلسطينيون في تحقيق مثل هذه الحكومة، رغم الحالة الصعبة على جناحي الوطن والسلطة، حيث هناك في الضفة احتلال إسرائيلي مباشر، يحاصر الشعب والسلطة معاً وإخفاق في التقدم بالعملية السياسية، وهنا في غزة، حصار وانغلاق وفقر، وفعل مقاوم لم يعد موجوداً!

الجواب، لا يمكنه أن يبرئ العامل الذاتي، مهما سيقت المبررات التي تتحدث عن المؤامرة وعن التدخل الخارجي، حيث لا يمكن إعفاء "حماس" و"فتح" من المسؤولية المباشرة والمزدوجة، والخروج من المأزق، له طريق واحد، وحيد وهو الضغط الميداني على الطرفين، حتى لو أدى الأمر إلى ظهور قوة ثالثة، أو إلى تغير جوهري في بنية كل من الحركتين، فأي حراك أو انتفاض فلسطيني قادم، يجب أن لا يتحفظ عن المس في بنيتي "فتح" و"حماس" وحتى كل الفصائل والقوى السياسية التي أوصلت المشروع الوطني إلى مأزق حقيقي.