المصالحة وحماس والكيانية الفلسطينية
يتصدر المشهد السياسي الفلسطيني ثلاثة قضايا متداخلة ومؤثرة في بعضها البعض؛ فمن المصالحة المتعثرة إلى تأثير الخلافات الداخلية في حركة حماس عليها وصولا إلى الإجراءات الإسرائيلية على الأرض التي تهدد الكيانية الوطنية الفلسطينية دون فعل فلسطيني موازٍ، وفي ظل لامبالاة عربية ودولية، للحفاظ على الأرض الفلسطينية أو ما بقي منها في الضفة الغربية. فهل يبقى الفلسطينيون داخل الغيتو الانعزالي حبيسي الخلافات وتقسيم المقسم من السلطة والحكم والنفوذ، أم الانطلاق نحو اعادة صياغة الحالة الفلسطينية باتجاه الدفع بعوامل القوة الكامنة في الشعب الفلسطيني وتفعيلها لاعادة صياغة الهوية الوطنية وانجاز التحرر الوطني موحدين.
(1) المصالحة إلى الخلف دُرْ
"عادت حليمة لعادتها القديمة" هذا حال المصالحة الفلسطينية، فبعد أجواء التفاؤل التي أشاعها كل من الرئيس محمود عباس وخالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في بدء اجتماعات القاهرة الاخيرة.
لكن ختام الاجتماعات الرسمية للجنة القيادية العليا أعاد المصالحة خطوات الى الوراء أو أعاد التراشق الاعلامي من جهة، وأعاد إلى الخطاب الاعلامي تكذيب الطرفين لبعضهما البعض, وضاع في هذا السياق الشعب الفلسطيني لناحية معرفة من طلب تأجيل تشكيل الحكومة الفلسطينية "حكومة الانقاذ الوطني". وكأن طلب التأجيل جريمة أو من طلب التأجيل سواء كان فتح أو حماس يعرقل مسيرة المصالحة الفلسطينية التي شهدت في أوج اجتماعاتها ممارسات على الارض تعرقل المصالحة فعلا كمنع أو تأجيل عمل لجنة الانتخابات والاستمرار في اصدار قرارات الاعدام واستمرار سياسة الاعتقال السياسي واستدعاءات الاجهزة الامنية لناشطي حركتي فتح وحماس في القطاع والضفة.
وعلى الرغم من أن تشكيل الحكومة هو الخطوة الجوهرية لاعادة اللحمة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، لكنها تبقى دون جدوى أو قيمة مادامت الاطراف الفاعلة والمعطلة للمصالحة ممسكة بزمام الامور في كل من الضفة والقطاع.
فالمصالحة بحاجة بالاضافة إلى الادارة السياسية من الاطراف الفلسطينية – فتح وحماس والفصائل الاخرى- إلى وجوه جديده, فرموز الانقسام لا يمكن أن تكون جسر العودة للوحدة. كما أن المصالحة بحاجة إلى دفع الاثمان من قبل الاطراف المختلفة فلا يمكن العودة لما قبل عام 2007 دون معالجة أثارالانقسام والاجراءات التي تبعتها في كل من الضفة وغزة.
(2) حماس والخلافات الداخلية
للمرة الاولى التي تظهر الخلافات الداخلية في حركة حماس للعلن, وكذلك الاصطفاف بين قيادات قطاع غزة وقيادات الخارج على الرغم من معرفة المتابعين لشؤون الحركة بوجود الخلافات بينهما. وإن كانت هذه الخلافات هي شأن داخلي لحركة حماس إلا أن الاهتمام بها ينبع من أنها ذات ثقل جماهيري ولها تأثير كبير في العمل العام الفلسطيني.
تشير التصريحات لقيادات حركة حماس الى وجود خلافات جوهرية فيما يتعلق بطريقة معالجة حالة الانقسام الفلسطيني؛ "فتيار" الخارج يرى الدخول في منظمة التحرير طريقا للسيطرة على الاطار الجامع للفلسطينيين والتي تحظى بالشرعية العربية والدولية أي أن من يمتلك الكل يهيمن على الاجزاء, باستخدام نفس الطريقة في اعادة انتاج التاريخ عندما هيمنت حركة فتح على منظمة التحرير في نهاية الستينات من القرن الماضي. كما يأتي هذا ادراكا للعوامل والتحولات الاقليمية، وربما لنصائح روسية و/ أو خليجية بدخول حركة حماس للنظام السياسي الفلسطيني بشكله العام لنيل القبول الدولي، أو لترجمة قدرتها على الفعل الداخلي الى مقدرة سياسية على المستوى العام. فيما يرى "تيار" قطاع غزة أن الهيمنة على الجزء "قطاع غزة" يمنحها القدرة على إخضاع الكل أو تعطيل الحركة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
هذا الاختلاف في الرؤى منبعه أن قيادة الخارج تأخذ التحولات الاقليمية بعين الاعتبار عند اتخاذ مواقفها؛ فهي تفقد أو بالاحرى فقدت الحليف السوري من جهة، وهي لا تستطيع أن تقف في المعسكر الشيعي في ظل الاصطفاف السني/ الشيعي أو الخليجي/ الايراني، بالاضافة إلى فوز حركة الاخوان المسلمين بالاغلبية في المجالس النيابة في كل من مصر وتونس، وطبعا التيار الاسلامي في ليبيا، وما يفرضه انجاح تجربة الحركة الأم "الاخوان المسلمين" في الحكم واندماجها في السياسة الدولية من توافق مع المتطلبات الدولية لعملية الاندماج.
لكن "تيار غزة" يرى في قطاع غزة دولة مستقلة أو أنها تخلصت من الاحتلال، وترى تجربتها في السيطرة على القطاع تمنحها القوة والمنعة. كما ترى بنجاح الاخوان المسلمين في مصر عنصر قوة يمكن استغلاله في مواجهة الاطراف الفلسطينية الأخرى، وامكانية الاندماج مع مصر باعتبارها مزود أساسي للخدمات كالكهرباء ومشتقات البترول وغيرها من الخدمات والسلع، واعتبار معبر رفح ممرا دوليا يمنح القطاع وجكومتها القدرة على الوصول لدول العالم، واعتبار القطاع "ملجأ" للقيادات الفلسطينية في اطار العودة إلى الوطن.
وفي كل الأحوال فإن الخلاف داخل حركة جماهيرية مثل حركة حماس هو خلاف طبيعي ما بين تيارات ورؤى وحتى مصالح مختلفة لهذه التيارات خاصة في ظل استحقاقات سياسية ومراجعة لوسائل العمل المعتمدة، وكذلك دفع أثمان المصالحة.
(3) الكيانية الفلسطينية وقضم أراضي الضفة
ما بين عدم القدرة على الاندماج أو الوحدة بين الضفة والقطاع والخلافات الداخلية لحركة حماس "طبعا دون تضخيم" تقوم الحكومة الإسرائيلية على قضم الأراضي الفلسطينية والبدء بالمرحلة الثانية من فصل أجزاء من الضفة عمليا؛ فبعد انجاز جدار الفصل وإحكام السيطرة على مدينة القدس ومحاصرتها وفصل غور الاردن عبر الحواجز العسكرية واستغلاله من المستوطنين في النشاط الزراعي، تسعى الحكومة الاسرائيلية إلى تقسيم الضفة الغربية عبر انشاء خطوط السكة الحديدية ما بين المستوطنات، وهي الطريقة الجديدة لفصل التجمعات السكانية الفلسطينية عن بعضها البعض، والدخول في تنفيذ خطة شارون القاضية بمنح الفلسطينيين سلطة حكم ذاتي في هذه التجمعات التي يتم خلق تواصل بينها عبر مجموعة من الجسور والأنفاق فيما تبتلع اسرائيل حوالي 60% من الاراضي الفلسطينية.
في هذا الاطار فان أيا من الفلسطنيين منفردا فتحاويا أو حمساويا, ضفاويا او غزيا, لن يتمكن من مواجهة غطرسة الاحتلال واجراءاته لا في الضفة الغربية بما فيها القدس ولا في حصار قطاع غزة لمحو الارتباط ما بين الهوية الفلسطينية والارض. كأن الحكومة الاسرائيلية ترغب في إنهاء هذه العلاقة التي أكدت عليها الفقرة الاولى من وثيقة اعلان الاستقلال الصادرة في 15/11/1988 التي نصت " على أرض فلسطين ولد الشعب العربي الفلسطيني, نما وتطور, وابدع وجودة الانساني والوطني عبر علاقة عضوية, لا انفصام فيها ولا انقطاع, بين الشغب والارض والتاريخ".
فقد آن الأوان لإنهاء الخلاف بين الاطراف المتصارعة على السلطة والحكم لناحية الحفاظ على الهوية الفلسطينية بمكوناتها الشعب والارض والتاريخ الذي رمزه مدينة القدس بدياناتها وآثارها. ألا يستحق تعزيز صمود الشعب الفلسطيني نحو الاستقلال الوطني واقامة دولته التنازل عن مغانم الحكم.