تناقضات الأصولية وتعارضاتها
ثمة تناقض بارز بين ما قاله الداعية الأصولي وجدي غنيم، وبين ما كتبه المرشد العام لحركة الإخوان المسلمين د. محمد بديع، وكلاهما مصري الجنسية.
في 13 شباط الماضي كتب محمد بديع مقالاً في الأهرام قال فيه 'إننا نسعى لبناء الدولة الديمقراطية الحديثة القائمة على أساس المواطنة ومبادئها وسيادة القانون والحرية والمساواة والتعددية، بكل أشكالها وأنواعها، والتداول السلمي للسلطة، عبر صناديق الاقتراع، واحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وشيوع قيم الحرية والعدالة والمساواة بين جميع أبناء الأمة، بلا تمييز على أساس العرق أو اللون أو الدين'.
ورد عليه الداعية السلفي وجدي غنيم أثناء زيارته لتونس كلاماً لا يقل وضوحاً وأهمية عما قاله المرشد العام لحركة الإخوان المسلمين، مؤكداً على أن 'سيادة الشعب كفر وضلال' و'الحرية الشخصية باطلة' و'حرية التدين تساوي الردة' وكلاهما عبر حزبيهما وهما يتقاسمان الأغلبية في مجلس الشعب المصري المنتخب بعد ثورة يناير والربيع العربي.
في العالم العربي أربعة أحزاب أصولية عابرة للحدود هي 1- حركة الإخوان المسلمين 2- ولاية الفقيه الإيرانية 3- حزب التحرير الإسلامي 4- وتنظيم القاعدة، والتنظيمات الأربعة تعمل بالسياسة، وتهتم بها وتسعى للوصول إلى السلطة الحاكمة في كل بلد عربي، بعضها يلجأ إلى الوسائل المدنية كما تفعل حركة الإخوان المسلمين وولاية الفقيه على الأغلب رغم وجود بعض الاستثناءات في تاريخها وفي سلوكها كما فعلت حركة حماس بانقلابها في قطاع غزة، ولا تزال، وبعضها الآخر لا يؤمن بالعمل الجماهيري والنقابي والبرلماني ويغلب عليه الطابع الثوري والانقلابي كما يفعل تنظيم القاعدة وحزب التحرير الإسلامي.
السلفية، كانت حركة دعاوية إصلاحية لا تهتم بالسياسة، ومهادنة لكل سلطة حاكمة، ملكية كانت أم جمهورية، ديكتاتورية متسلطة أو لديها هامش من الانفتاح، وفي كل الأحوال كانت السلفية تعمل بعيداً عن أعين المجتمع، حيث لديها مجتمعها الخاص الانغلاقي وقيمها المتشددة، وكانت محايدة تماماً في الصراع الدائر في المجتمعات العربية، هدفها التدين ونشر الدعوة محلياً وعربياً وعالمياً، ولكنها فاجأت أكثر المراقبين يقظة في مصر وفي غيرها حينما خاضت المعركة الانتخابية وحصلت على موقع الحزب الثاني في البرلمان المصري، وليس هذا وحسب بل ودعاتها خرجوا إلى العلن، ليقودوا فلسفتهم علناً ويبشروا بما يؤمنون به، بعد أن كانوا مختفين عن أعين المراقبين، ويحظوا بثقة أجهزة الأمن باعتبارهم شيوخاً لا هم لهم سوى الصلاة وتأدية الشعائر وعدم متابعة الحدث سياسياً كان أو اقتصادياً أو غيره .
السلفيون الذين بنوا تنظيماتهم وخلاياهم في السر مثلهم مثل حزب التحرير الإسلامي، باتوا قوة قادرة على تحريك الناس ودفعهم نحو صناديق الاقتراع وتحقيق نتائج ملموسة، وبالتالي صياغة الموقف والإسهام فيه، في غياب وتراجع وانحسار دور القوى الوطنية والقومية واليسارية التي دفعت ثمن معركة الحرب الباردة بهزيمة الشيوعية والاشتراكية والاتحاد السوفياتي، ومعركة فشل التيار القومي بهزيمة العراق وحصاره واحتلاله وكذلك في سورية ومن قبلهما في مصر عبد الناصر.
التيار الأصولي الإسلامي برمته، وتنوعاته وفروعه، هو عنوان الحاضر وسيبقى لفترة غير منظورة، لأنه استفاد من تحالفه مع الأميركيين طوال الحرب الباردة، مثلما استفاد من تحالفاته المحلية مع الملك حسين والسادات وجعفر نميري ومع النظام الخليجي بقيادة السعودية سابقاً، ومع قطر حالياً، وسيبقى كذلك حتى يتم اختباره على أرض الواقع وفي إدارة الدولة، وبمدى انسجامه مع قيم العصر، وهذا ما حاول محمد بديع أن يقوله في مقالته في 'الأهرام'، وما حاول أن ينفيه وجدي غنيم بما يتعارض ويتناقض مع ما ذهب إليه المرشد العام لحركة الإخوان المسلمين .