لماذا لم يأت أبو مازن ومشعل لغزة؟؟
ربما أن هذا هو السؤال الأكثر منطقية حين يتم البحث عن مخارج لحالة الاستعصاء القائمة بالمصالحة التي يبدو كل مرة أنها تصل لطريق مسدود حين يعتقد أنه آخر الطرق، فبعد اللقاءات التي تعددت منذ أيار الماضي بين الرجلين وبعد الاتفاق على التفاصيل، وبعد لقاء أبو مازن وهنية في القاهرة، ماذا تبقى؟ والسؤال الأكثر منطقية هل حقاً توقف تشكيل الحكومة عند إجابات إسرائيلية حول الانتخابات في القدس أم أنها كانت عملية إخراج غير موفقة للتغطية على فشل جديد؟
من غير المنطقي ربط تشكيل حكومة الوحدة بإجابات إسرائيلية معروفة سلفا حين يتعلق الأمر بمستقبل الفلسطينيين، ومن السذاجة قبول هذه الرواية، فلو كانت حقيقية هذا يعني إعطاء إسرائيل 'فيتو' كبيراً على حكومة يتعلق بها مستقبل الشعب وخصوصاً أنها تقف موقفاً ضدياً وحاداً تجاه حالة التقارب الفلسطيني. وقد أعلنت الحكومة الإسرائيلية موقفها بشكل واضح وسريع لحظة توقيع اتفاق الدوحة حين خير رئيس وزرائها الرئيس الفلسطيني 'ما بين السلام مع إسرائيل أو السلام مع حماس' وإذا كان الجانب الفلسطيني فعلا ينتظر إجابة إسرائيل لتشكيل الحكومة هذا يعني أنها لن تتشكل، ولا يعتقد أن الفلسطينيين على هذه الدرجة من السذاجة السياسية ويبدو أن الأمر غير ذلك على الإطلاق.
زيارة عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وممثلها بالخارج ماهر الطاهر، وقبله عودة عضو المكتب السياسي لحركة حماس ماهر العلمي ربما تفتح على سؤال استمرار تواجد القيادات الفلسطينية بالخارج وجدوى هذا التواجد، وأسئلة من نوع استمرار الحوارات في كل العواصم العربية دون أن تكون غزة المؤهلة كما ثبت لعودة كل المتحاورين لاستكمال ما بدؤوه في الخارج، فقد فسرت الفصائل الوجود القيادي بالخارج لسهولة الحركة والقدرة على التواصل مع العالم، وبعد انسحاب إسرائيل من المعبر الذي يفتح غزة على العالم لم يعد لتمركز القيادات خارج الوطن ما يبرره، بل يمكن أن تشكل عودتها رافعة جديدة لاستكمال النضال بين شعبها، والأهم من ذلك فإنها تشكل فرصة كبيرة للتحرر من الجغرافيا السياسية وتأثير تلك العواصم عليها، وتبقى أقرب لشعبها لا تسمع إلا صوته، وربما أن ذلك يمكنها من إنتاج سياسة تعبر عن نبض جمهورها بعيدا عن التجاذبات الإقليمية وشروط الإقامة.
بات من الواضح أن الطريقة التي تدار بها المصالحة قاصرة وعاجزة عن استيلاد حكومة وحدة، ومن الواضح أيضا أن إنهاء الانقسام يتطلب خطوة عملية أبعد من الحوارات وهي في متناول اليد، وقد تم الإشارة لها سابقاً عندما قيل بأن أبو مازن ومشعل سيتوجهان لغزة، وأغلب الظن أن هذه الخطوة وحدها ستكتب شهادة وفاة الانقسام وبغير رجعة، إذ يمثل وجود رأسي الهرم سواء في حركة حماس بقطاع غزة المرجعية الأولى للحركة وبنفس القدر أبو مازن رأس الهرم في السلطة كمرجعية أولى للسلطة، وكلا المرجعيتين سيمثل تواجدهما تراجعاً لحكومة غزة سواء كحكومة 'حماس' أو كسلطة، فحكومة غزة مع منافستها بالضفة عناوين الانقسام الأبرز، أما الزيارات أو عودة مَن هو أقل من رأس الهرم فقد تمثل تعزيزاً لحالة الانقسام.
لقد فقدت حركة حماس بالخارج مقرها الثابت بدمشق بعد أن اهتزت سورية، حين دفعت قيادة الحركة ثمن موقفها المتوازن والمتزن تجاه الأحداث التي عصفت في ذلك البلد، وبدأت تبحث عن عواصم لجوء أخرى، بكل أسف كانت غزة مثلها مثل العواصم الأخرى، ولم تكن الخيار الوحيد الذي يمكن أن يضمن كافة الاعتبارات التي تستوجب شد الرحال إليه، وخصوصا حرية الحركة، فما الذي يمنع عودة نائب رئيس المكتب السياسي الدكتور موسى أبو مرزوق الغزي الأصل لغزة ومباشرة عمله منها؟ ولماذا تكون الدوحة والقاهرة عواصم الترحال الجديدة ما دام بإمكان عماد العلمي العودة بكل سهولة، إنها تساؤلات من حق المواطن الفلسطيني أن يسألها ومن حقه أيضا أن يسأل عن عدم عودة أبو مازن طالما بإمكانه الالتقاء مع السيد هنية في القاهرة، أليس من الأولى أن يجتمعا في غزة طالما تمكنا من الالتقاء وكسرا جبل الجليد؟
ثلاثة شهور تفصلنا عن موعد الانتخابات المفترض والذي حدد منذ عام، ومنذ عام يتلكأ طرفا الانقسام في التقدم بخطوة عملية واحدة، ومن الواضح أن الزمن المتبقي لن يكفي للجنة الانتخابات المركزية لتجهيز نفسها وبات من الواضح أنها لن تجري في موعدها، إذن لا انتخابات ولا حكومة، بغض النظر عن الأسباب فإن كان انتظار الموافقة الإسرائيلية فهذا يشبه 'غودو' الذي لن يأتي، وإن كان هذا السبب الظاهر فإنه يخفي سببا لا يقل عن ذلك، حيث يجري في الكواليس الحديث عن السبب الحقيقي.
لقد أغرقت جولة الحوار الأخيرة بتفاصيل إجرائية أعادت الحوار إلى نقطة الصفر، بل ووضعت عصياً جديدة في دواليب المصالحة أوقفتها من جديد، إذ كانوا يحاولون البحث باختلاف جديد حول هل تؤدي الحكومة اليمين أمام المجلس التشريعي أم لا، وأسئلة تتعلق بالنواب الأسرى وتوكيلات التصويت المختلف عليها بحضور صورهم كبديل، وتفاصيل أخرى على هذه الشاكلة، فهم منها أن المصالحة والحكومة لا زالت بعيدة، والإرادة الفلسطينية لم تتوفر بعد، لهذا جرى استدعاء المبرر الإسرائيلي كغطاء للفشل المتكرر وبطلب من الأطراف نفسها، فهو المشجب الوحيد الذي اعتاد الفلسطينيون تعليق سلسلة الفشل الطويلة عليه، مسكينة هي الأنظمة العربية التي ليس لديها الاحتلال لترمي عليه كل الأعذار، والفشل لتنكشف أمام شعوبها فيجرفها الربيع العربي، أما الفلسطينيون فهم محصنون من ذلك، وهناك دائما الوسيلة الأفضل للتمويه على شعبهم وتضليله، ومطلوب من الشعب أن يتعاطى مع تلك المبررات ببراءة تامة ' أنهوا الاحتلال كي نشكل لكم حكومة' وبدل هذه المعادلة على أبو مازن ومشعل أن يجيبا على سؤال عدم زيارتهما لغزة بكل شفافية خاصة أنهما يدركان أن هذه الزيارة هي الخطوة الحقيقية لإنهاء الانقسام ...!