اليرموك، عندما تولد لاجئاً

بقلم: راشد عيسى

سبعة شهور فقط عاشتها الشابة البريطانية إيميلي تشرشل في مخيم اليرموك العام 2009، أثمرت لديها اليوم أغنيات تروي مأساة المخيم. هذه واحدة من أغنيات فرقة "راست" التي تغني معها ايميلي برفقة باسل زراع، زوجها الذي تعرفت إليه أثناء إقامتها في المخيم، ثم انضما معاً للفرقة في بريطانيا.

تروي الأغنية، التي تحمل اسم "اليرموك، عندما تولد لاجئاً"، وتؤدّى بالانجليزية تتخللها مقاطع بالعربية، أحوال الناس الذين كانوا يفتحون أبوابهم للجميع، "حيث الأم التي كانت تطبخ بشكل مضاعف احتياطاً لقدوم أي ضيف. إنها الآن تقوم فقط بخلط الماء مع البهار، وترى أطفالها وهم يفقدون وزنهم". عندما تولد لاجئاً، تقول الأغنية،"تبني حياتك على لا شيء، فقط غرفة صغيرة، ثم منزل صغير، وأحياناً دكان صغير". ثم تصل إلى القول "لكنهم أحرقوا كل شيء الآن. عندما تولد لاجئاً، تولد وتعلم تماماً ما معنى النجاة، تطعم ابنتك وتقويها، وتغني لها أغنية، لكنك الآن لست قادراً على النظر في وجهها". وتختتم الأغنية بوصف استقبال المخيم للاجئين الجدد، ثم كيف تلقى "هديته" من السماء قصفاً من طائرات الجيش. ليصبح مخيم اليرموك أخيراً صورة على شاشة التلفزيون.

تشرشل قالت لـ"المدن" عن علاقتها بمخيم اليرموك: "أنا عشت في المخيم العام 2009 حين جئت إلى دمشق لتعلم اللغة العربية، وتعرفت إلى باسل زراع في تلك الفترة، ثم انتقلت إلى المخيم لأعيش معه هناك، سبعة أشهر، وأقمنا حفلة زفافنا في صالة من صالات المخيم".
وتروي إيميلي: "بالنسبة إلي، المخيم مكان مليء بالحياة والقصص، كان تجربة جديدة كلياً. الآن عندي أصدقاء وأقارب من المخيم، وأنا بالتأكيد أحزن لحزنهم وأفرح لفرحهم. ذاكرتي المرتبطة بالمخيم هي عبارة عن صور لأناس يحبون أن يساعدوا ويعطوا، أما الآن فكل الصور التي تخرج من المخيم موجعة وصادمة، حيث البيوت المهدمة وصور الناس التي تموت من الجوع".

وعن مسيرة أغنية "اليرموك"، تقول إيميلي: "حين كتبنا الأغنية، حاولنا أن ننقل جزءاً بسيطاً مما يحدث في هذا المكان، وأن نقول لأهالي المخيم إن أحاسيسنا وأفكارنا معكم، رغم البُعد". وتضيف: "في البداية، أنا وباسل كتبنا الكلمات واللحن، ثم عملنا على توزيعها على الآلات مع باقي الفرقة". أما لماذا هي باللغة الانكليزية، فتقول المغنية الشابة: "لأنها موجهة إلى الناس في بريطانيا والغرب عموماً لمحاولة رفع مستوى الوعي وتسليط الضوء على ما يحصل في مخيم اليرموك".

الأغنية ما زالت حتى الساعة تأخذ طريقها إلى الجمهور عبر قنوات "فايسبوك" و"تويتر"، وتقول إيميلي: "ساعدنا أصدقاؤنا في نشرها. رد الفعل كان جيداً، إذ تلقينا رسائل عديدة عبر صفحة الفرقة، تعبّر عن تعاطفها مع ما يحدث في مخيم اليرموك، فيما يقوم الآن صديقنا رامي عباس بالتحضير لعمل فيديو للأغنية لنتمكن من نشرها عبر يوتيوب، لأن ما يهمنا هو أن يصل صوت المخيم إلى كل مكان وبكل اللغات والوسائل".

وعن فرقة "راست"، تقول ايميلي: "فيها سبعة موسيقيين: كريم و باسل من مصر، جوان من البرتغال، باول من بارغواي، باسل زراع فلسطيني من مخيم اليرموك، إيما من ايرلندا، وأنا من بريطانيا، حيث يقيم الجميع. انضممنا، باسل وأنا، إلى الفرقة قبل سنتين، وسجّلنا معاً أربع أغنيات حتى الآن من ضمنهم أغنية اليرموك".

وبحسب ايميلي تشرشل، "ليس للفرقة توجه محدد، لكننا نشارك في نشاطات كثيرة تحصل في بريطانيا لدعم القضية الفلسطينية. نحاول أن نوصل أفكارنا من خلال الموسيقى، تحدثنا عن المهاجرين من خلال أغنية كتبتُها بعنوان "مهاجرة"، كما سجّلنا أغنية مع صديق لنا من الولايات المتحدة عن الجدار في فلسطين وعن قرية نعلين والتظاهرات التي تحصل كل جمعة في هذه القرية منذ سنوات. وما زلنا نحاول أن نقدم أكثر".

أجمل ما في أغنية "اليرموك" أنها أغنية خافتة الصوت، لم تحاول أن تكون مثل "مارش عسكري"، ولا أن تقرع طبول الحرب. إنها تفعل ما على الأغنية أن تفعله، فمع أنها عن مخيم مهدم يعاني التجويع والحصار والقصف، إلا أنها بقيت بوحاً شفيفاً وحزيناً يمتلئ بالأسف، لن تسمع فيه أبداً صوتاً للقصف.