عام على يناير: الثورة ما زالت مستمرة
فوز حزب الحرية والعدالة بأقل بقليل من نصف عدد مقاعد البرلمان المصري , أولا , وفوز حزب الوفد بالمكانة الثالثة ثانيا , سهلا الى حد كبير على جماعة " الأخوان المسلمين " تشكيل الحكومة القادمة , ذلك أن خيارات التشكيل الحكومي كانت ستكون أصعب , لو أن عدد مقاعد " الجماعة " كان ثلث المقاعد البرلمانية , كما كانت التقديرات تشير قبل أسابيع على الأقتراع , أو أن من فاز بالمكانة الثالثة كان " الكتلة المصرية " مثلا كما كانت تشير التقديرات التي رافقت الجولة الأنتخابية الأولى .
حينها كانت كتلة الجماعة البرلمانية ستكون مجبرة على الأختيار " الصعب " بين التحالف مع حزب النور السلفي او الكتلة المصرية العلمانية , وهذا يعني بأن الجماعة يمكنها مع هذة النتائج أن تشكل حكومة مصرية , سيكون برنامجها أقرب ما يكون لبرنامج الجماعة , دون أن تضطر كثيرا , الى التقارب مع برنامج السلفيين أو العلمانيين , وربما من شأن ذلك أيضا أن يسهل عليها مهمة أعداد الدستور , وكذلك الذهاب الى أنتخابات الرئاسة بقدرة أعلى على المساومة .
ورغم أن تركيز الجماعة كان خلال فترة أنتخابات مجلس الشعب على هذة الأنتخابات , الا أن عينها الثانية كانت على أنتخابات الرئاسة القادمة , ومن بين أتجاهات الترشيح , كانت الجماعة ترى من بعيد حكومتها وهي تتجاور مع رئيس تقلل ما أمكن من درجة التباين بين برنامجها وتوجهاته , ولا شك أن من بين المرشحين كان محمد البرادعي يشكل لها معضلة بتوجهاته المدنية / الليبرالية , لذا فربما كان تلويحها بمرشحها الأسلامي محمد سليم العوا , بمثابة تكتيك , أدى الى دفع البرادعي لسحب ترشيحه , بعد ان دفع التلويح بدعم الأخوان للعوا , المجلس العسكري الى " التوافق " مع الجماعة على المرشح " الوسط " بينهما , وهو عمرو موسى .
هذا التوافق , دفع البرادعي الى سحب ترشيحه , لأن النتيجة باتت شبه محسومة , لكن ما يهم في الأمر هو توقيت البرادعي سحب ترشيحه , وذلك قبل أيام معدودة من الأحتفال بذكرى مرور عام على أندلاع ثورة يناير , في الخامس والعشرين منه , وأعلانه بأن الأمر يبدو كما لو ان ثورة لم تقم , وكما لو أن النظام لم يتغير , كان رسالة واضحه لأنصاره من شباب الثورة , الذين لم يهتموا كثيرا بأنتخابات مجلس الشعب , وركزوا على ترشيحه لأنتخابات الرئاسة , عسى ان يحدث من خلال ذلك التوازن بين , من أشعلوا الثورة , ومن يعتبرون مستقبل مصر , ومن ساعدوا في أسقاط حسني مبارك , اي الأخوان , وذلك بتقاسم السلطة بين مؤسستي الرئاسة والبرلمان .
أنسحاب البرادعي من السباق الرئاسي , وضع شباب الثورة في مسار أجباري , هو مواصلة الأحتجاج , على نظام الحكم الجديد , الذي يمثل تحالفا بين القوى التقليدية : المدنية _ الأخوان والسلفيين والوفد _ والعسكرية ممثلة بالمجلس العسكري , الذي يضم قادة القطاعات العسكرية الأساسية في مصر .
لذا فأنه يتوقع ان يكون يوم الخامس والعشرين من يناير الحالي يوما مشهودا في مصر , ذلك أن حكومة الأخوان المقبلة ستواجه معارضة ميدانية قبل أن تتشكل , هذة المعارضة ستشكل قوة ضغط عليها , أبعد أثرا من قوى المعارضة البرلمانية التي ستكون محدودة , بالنظر لقوة الأخوان في البرلمان أولا , وثانيا بسبب ضعف تمثيل القوى المدنية والليبرالية في البرلمان , لذا فأن المكان الطبيعي لقوة الشباب ستعود للتحرير مجددا .
هل يعني ذلك بأن الثورة المصرية ستستمر , وان الحراك الشعبي لن يهدأ , كما حدث مع الثورة التونسية مثلا ؟ هذا أحتمال وارد جدا و لكن هل تحتمل مصر مثل هذا الحراك , وقد أنهك عدم الأستقرار طوال عام مضى أقتصادها ؟
الحراك الذي كان خلال فترة الأنتخابات , رغم أنه لم ينجح في فرض تغيير الحكومة على المجلس العسكري , ورغم أنه لم ينجح في دفع المجلس العسكري الى الأستقالة , وتشكيل مجلس مدني , كما كان يطالب شباب الميدان , الا أنه نجح في أبقاء الضغط على أطراف النظام الجديد , وأستمراره من شانه أن يؤكد على أركان الحكم الديمقراطي , من خلال عدم توفير أجواء الأسترخاء لهذا التحالف وان تقوم بترتيب الأمور على هواها وكما تشاء .
وبتقديرنا , فأنه حتى وان لم ينجح الشباب في أيصال ممثليهم لسدة الحكم , لا على مستوى الحكومة ولا على مستوى الرئاسة , الا أن أستمرار حراكهم , سيضع الأخوان في موقع لا يمكنهم في ظله التفكير بالأستغناء عن شراكة العسكر , الذين سيتوارون وراء الكواليس بعد العشرين من يونيو / حزيران القادم , لكنهم سيبقون شركاء في الحكم , ربما على الطريقة التركية , ولكن أيام أول حكومة " للأسلاميين " فيها , كما أن المعركة داخل البيت , أي في أطار تحالف النظام الجيد , ستكون حول مدى صلاحيات الرئيس , حيث أن الأخوان سيجدون أنفسهم واقعين في مفارقة , وهي انهم أذا كانوا سينحون الى المحافظة السياسية فيما يتعلق بالدستور , وسياسة الحكومة الدلخلية , فأنهم سيحبذون التغيير في طبيعة الحكم , وسيفضلون حكما برلماينا , أي أنهم يفضلون الأنتقال من الحكم الرئاسي السابق الى الحكم البرلماني , وهكذا فأن العسكر الذي سيكون " حكما " بين الرئيس والحكومة , سيظل شريكا في الحكم , طالما بقي شباب الثورة يلوح بمواصلة الأحتجاج في الميدان , حيث لا غنى لحكومة الأخوان عن قوة العسكر , كقوة لفض الأشتباك بين الشعب والحكم .
بذلك يمكن القول بأن الثورة المصرية قد أنتقلت من العنوان الى التفاصيل , حيث سيخوض الشباب وقوى المجتمع المدني معارك طاحنة , حول كل تفاصيل الواقع المصري , وأذا كان أحد لن ينشغل بالسياسة الخارجية , لذا فأن حكومة أخوانية لن تراجع كامب ديفيد , ولا علاقة الصداقة مع واشنطن , فأن الجميع سيهتم ببرنامج الحكومة الأقتصادي , وبمستوى الشفافية التي ستكون عليها , كذلك بكل ما له لاعلاقة , بأية محاولات " لأسلمة " المجتمع , كما أن تحديا مهما سيواجه تلك الحكومة , ويتمثل في أجهزة الأمن , التي ما زالت , بهياكلها مبنية على أسس قديمة , فهل ترتكب حكومة الأخوان خطأ حكومة حماس في غزة , وتفكر في أنقلاب ما ؟ أم انها حين تعجز عن احتواء أجهزة الأمن بسرعة , ستلجأ الى خيار " الأقصاء " التدريجي او الواسع لقادة وعناصر تلك الأجهزة و وهذا ينسحب على موظفي الدولة ؟
بالقطع أن فترة حكم الأخوان الأولى ستكون صعبة وقاسية , وهي مرحلة أنتقالية بكل معنى الكلمة , فهل ستواصل خيار الأنحياز للقوى التقليدية , بما في ذلك تلك التي تتحكم بأجهزة ومؤسسات الدولة , التنفيذية والأدارية , أم انها ستقوم بعملية أحلال لها لصالح كوادر وعناصر الجماعة , الذين ينتظرون دورهم في الحصول على حصصهم من " الفيء والغنائم " وبذلك تضيف قوى أخرى متضررة ومعارضة , بحيث أن قوتها الأنتخابية ( نحو 47% ) ستتآكل مع الوقت , بما يجعل من أحتفاظها بالحكم بعد اربع سنوات امرا غير ممكن , او حتى يعجل في سقوطها عبر أنتخابات مبكرة ؟ الجواب مرهون بقوة الثورة وقدرة شبابها على مواصلة الطريق والدفع بالمجتمع المصري الى الأمام , والأنفتاح على العصر , وليس مرهونا بما يمكن أن تحدثه حكومة أخوانية من ضرر على قطاعات أجتماعية من الطبقة الوسطى ولا على جيوش بيروقراطية النظام .